في إفتتاحية اللواء كتب العميد الركن نزار عبد القادر:
دأب البطريرك بشارة الراعي والمتروبوليت الياس عودة منذ اكثر من سنة، في عظة يوم الاحد وفي المناسبات الدينية والوطنية، على دعوة رئيس الجمهورية والحكومة والقوى السياسية على استرجاع سلطة الدولة وتحقيق السيادة الوطنية وتغليب منطق الدولة على الدويلة، وتحقيق برنامج اصلاحي لمؤسسات الدولة، ومحاربة الفساد المتفشي على كل المستويات، وداعين لحياد لبنان، وعدم انزلاقه الى سياسة المحاور والتي ادت في نهاية المطاف الى عزلة عربياً، وجاء الآن دور المفتي عبد اللطيف دريان ليتوجه خلال اجتماع نواب الطائفة السنية في دار الفتوى قبل ثلاثة ايام بخطاب وطني جامع داعياً النواب السنَّة للعمل من زملائهم على انتخاب رئيس جديد للبلاد في الموعد الدستوري، اي قبل انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون في 31 تشرين الاول المقبل، ولم يفت المفتي دريان من دعوة المجتمعين للعمل مع النواب الزملاء من كل الطوائف والمناطق لرد الاذى عن اي عضو من اعضاء الأسرة العربية التي ينتمي اليها لبنان. كما شدد على ضرورة انتخاب رئيس يحافظ على ثوابت الطائف والدستور والعيش المشترك وشرعيات لبنان الوطنية والعربية والدولية، والتي لا يمكن التفريط بها مهما اختلفت الآراء والمواقف السياسية لأنها تشكل ضمانة حفظ السلام والاستقرار الوطني. ولقد جرى التشديد على ان يتحلى الرئيس المنتخب بهذه المواصفات بالاضافة الى كل المواصفات الشخصية والمعارف والقدرات لقيادة المشروع الاصلاحي العام، الذي تحتاجه البلاد للخروج من أزمتها المتعددة الابعاد السياسية والمالية والاقتصادية والمعيشية والبيئية.
من المؤكد ان دعوة المفتي دريان لعقد هذا الاجتماع الوطني والبيان الذي صدر في نهايته لن يكون مريحاً او مرحباً به من قبل حزب الله، وهذا ما اثبته تحفظ ثلاثة نواب من الحاضرين، ومعروف عنهم دعمهم او انتماءهم لكتلة نواب الوفاء للمقاومة، على مضمون البيان الذي صدر في نهاية الاجتماع. في نفس الوقت شنت بعض القيادات التابعة للحزب هجوماً ضد «السفارات» على خلفية تدخلها بالاستحقاق الرئاسي.
وكان المعني الاول والاساسي بهذا الهجوم السفير السعودي الذي دعا هؤلاء النواب مع المفتي دريان للاجتماع في منزله وذلك في مبادرة داعمة لدار الفتوى ولمضمون البيان. في المقابل يتجاهل حزب الله كل المواقف الايرانية، وما ترسله من مال وسلاح الى لبنان وذلك بهدف تهديد أمن واستقرار لبنان وتعكير علاقاته مع اشقائه في الدول العربية.
وجاء اجتماع دار افتوى والمضمون الوطني للبيان الذي صدر عنه كردٍّ مناسب على مراهنة حزب الله وحلفائه من محور المقاومة والممانعة على تفتت الموقف السياسي السني بعد عزوف الرئيس سعد الحريري وتياره عن خوض الانتخابات النيابية، وبالتالي المشاركة ككتلة وازنة في الاستحقاق الرئاسي.
يأتي اجتماع دار الفتوى في سياق دعوات معظم القيادات المسيحية الدينية لتحقيق الاستحقاق الرئاسي، ومنع حدوث فراغ في سدة الرئاسة وعلى غرار ما حدث في نهاية عهدي الرئيسين أميل لحود وميشال سليمان، والذي ادى الى اضعاف موقع الدولة وقدرتها على تحقيق السيادة الوطنية، وتغليب مصالح حزب الله والجمهورية الاسلامية الايرانية على مصالح ووجود دولة لبنان. ويؤكد مضمون البيان على ضرورة اختيار الربان الصالح والقادر على قيادة سفينة الدولة الى بر الأمان من خلال وضع رؤية واعتماد البرامج اللازمة للاصلاحات السياسية والمالية والاقتصادية اللازمة، لاستعادة دور وسلطة الدولة القادرة، والتي سلبت منها منذ عام 2005 بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري، والتي تبعها وضع لبنان لخوض حرب تموز 2006، والتي تبعتها عملية احتلال بيروت من قبل حزب الله في 7 أيار 2008، والتي تلتها مقررات مؤتمر الدوحة، والتي فتحت الباب على مصراعيه لتكريس منطق الدويلة على حساب الدولة، الامر الذي ادى الى تعميم حالة الفساد، وانتهى باهتراء الدولة وانهيارها.
ظهرت مؤشرات الانهيار في بدايات عام 2016، عندما بدأت الهندسات المالية التي وضعها حاكم مصرف لبنان رياض سلامة بالاشتراك مع المصارف الكبرى من اجل تغطية ازمة الافلاس التي اطلت برأسها نتيجة الفساد السياسي ونهب المال العام، والتبذير والسرقات الحاصلة في قطاعي الكهرباء والاتصالات ومختلف المجالس بما فيها مجلس الانماء والاعمار.
في عام ظهور هذه المؤشرات فرض حزب الله على القوى السياسية العماد ميشال عون كمرشح وحيد لرئاسة الجمهورية بعد سنتين ونصف من شغور موقع رئيس الدولة، في ظل كل انواع الابتزاز الذي فرضه عون ونصرالله، المرتبطان باتفاق مار مخايل، انطلاقاً من الوعد بانتخاب عون للرئاسة مقابل تأمين تغطية حزب الله مسيحياً. وهكذا درج الرئيس عون وفريقه السياسي سياسة التنازل عن دور القرار السيادي لصالح حزب الله خلال ست سنوات كاملة من عمر عهده، وهذا ما ادى الى تلاشي دور مؤسسات الدولة وانهيارها. نحن الآن بعد كل الانهيارات التي حدثت منذ 17 تشرين 2019 وحتى اليوم بحاجة لإعادة بناء الدولة، ولكن السؤال الملحّ يذكر حول من أين نبدأ وهل بإمكاننا انتخاب رئيس مخلص يملك الرؤية وحرية القرار؟
أولاً، مدى ادراك حزب الله وحلفائه للمتغيرات التي بدأت مع نتائج الانتخابات النيابية والتي اكدت خسارة الحزب للاكثرية النيابية التي كان يملكها في المجلس النيابي، وأن يتعظ من ذلك فلا يعمل على تعطيل جلسات المجلس عند عودته للاجتماع بأكثرية الثلثين لانتخاب رئيس جديد.
ثانياً، ادراك حزب الله للاهتمام العربي والدولي بالعمل على منع سقوط لبنان الدولة من خلال فرض الفراغ في موقع الرئاسة، وبالتالي شل وتعطيل عمل السلطة الدستورية القادرة.
وظهرت بوضوح هذه الارادة العربية والدولية من خلال الاجتماع على هامش اجتماعات الجمعية العامة للامم المتحدة الذي شاركت فيه الولايات المتحدة وفرنسا والمملكة العربية السعودية، مع اصدار بيان يؤكد انتخاب رئيس جديد للجمهورية.
ثالثاً، ادراك حزب الله ومعه الرئيس بري وكتلة حركة امل بأن سياسة تعطيل نصاب المجلس في جلسات الدعوة لانتخاب الرئيس ستواجهها اكثرية اللبنانيين برفض صريح وادانة جامعة.
في النهاية، لن تقبل اكثرية اللبنانيين بمنطق وقرار اسقاط الدولة وانهيار المجتمع وتعطيل ارادة العيش المشترك خدمة لمصالح ايران.