سلايداتمقالات

قُضِيَ الأمر: المنافسة بين فرنجية وقائد الجيش

كتب طارق ترشيشي في الجمهورية:

وَجد عدد من السياسيين المخضرمين وبعض المعنيين بالاستحقاق الرئاسي في نتائج الجلسة الانتخابية الرئاسية أمس ما يمكن تسميته الانتقال من مرحلة ترشيح النائب ميشال معوض الى مرحلة ترشيح قائد الجيش العماد جوزف عون، بدليل ما صدر اخيراً من تصريحات عن فريق المعارضة وعلى رأسه رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع الذي قال لقناة «الجزيرة القطرية» ان «لا مانع لدينا من وصول قائد الجيش الى رئاسة الجمهورية»، فيما يعارضه رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل.

 

ويعتقد هؤلاء السياسيون انّ فريق المعارضة استنفد ترشيح معوض في جلسة الامس على رغم من انّ الرجل خرج من الجلسة مؤكداً ثباته على ترشيحه ومكرراً ثوابته ومندرجات برنامجه في حال وصوله الى سدة الرئاسة، ما يعني انّ الاستحقاق الرئاسي دخل في حقبة جديدة عنوانها المنافسة بين رئيس تيار «المردة» سليمان فرنجية وقائد الجيش، خصوصاً انّ بعض اركان المعارضة من حزبيين ومستقلين ردّدوا انهم لن يسمّوا معوض في الجلسة او الجلسات الانتخابية المقبلة، وسيذهبون الى خيارات جديدة، الأمر الذي اذا حصل فسيؤدي بالاصوات الـ 42 او الـ 44 التي نالها معوّض امس الى التضاؤل بدءاً من جلسة الاثنين مع العلم انّ الرجل من حقّه الاستمرار في ترشّحه وهو يرى انّ لديه فرصة معوّلاً على تأييد نيابي إضافي له لاحقاً. لكنّ ترشيح قائد الجيش ليس سالكاً حتى الآن لدى النواب التغييريين وآخرين من الذين يرون انّ انتخابه يتطلب تعديلاً دستورياً من الصعب إجراؤه او توفير نصاب الثلثين النيابي الذي يتطلبه.

 

 

وفي هذه الأثناء يعمل «الثنائي الشيعي» على التوفيق بين فرنجية ورئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل، وذلك وفق استراتيجية عمل مبنية على معطيات تدل الى انّ الاستحقاق الرئاسي صار التنافس فيه منحصراً بين فرنجية وجوزف عون، فيما يعلن باسيل انه لا يؤيد ترشيح ايّ منهما، ما يعني انّ استمراره في هذا الموقف من شأنه أن ينسف هذه المعادلة، ذلك ان باسيل عندما شعر ان المنافسة ستحصل بين فرنجية وعون قال انه ضد الخيارَين ولكنه لم يدرك ان ليس هناك أيّ خيار ثالث مطروح على بساط البحث، إذ يبدو انّ «الثنائي الشيعي» قد لا يؤيّد وصول قائد الجيش، ويدفع في اتجاه انتخاب رئيس «يحمي ظهر المقاومة، ويرى انّ مثل هذا الرئيس هو الذي لا يخشى العقوبات الاميركية وغير الاميركية.

 

 

 

ومن هذا المنطلق يبحث البعض عما يريده باسيل، ولكنهم في الوقت نفسه يتناسون ما يريده «الثنائي الشيعي»، وتحديداً «حزب الله» في المنحى الاستراتيجي. فإذا رشّح باسيل اسماً لرئاسة الجمهورية فإنّ عليه ان يدرك انّ هذا الاسم «لا ينبغي ان يريحه هو فقط، وانما يجب ان يريح المقاومة، ولذلك فإنّ من شِبه المستحيل طرح اسم وسطي او الى ما هناك من اسماء تحمي ظهر المقاومة بغضّ النظر عن رغبة «الثنائي» الضمنية بإيصال فرنجية الى سدة الرئاسة، «خصوصاً ان الاخير وبالمنحى العلمي هو الوحيد القادر على حماية باسيل، لأن الخطر على باسيل هو التمدد المسيحي المناهِض لفكر المقاومة والمدعوم من قوى غربية، وهذا التمدد يتكوّن من القوى المسيحية التي حازت في الانتخابات النيابية الاخيرة على 75 في المئة من اصوات المسيحيين».

ويقول هذا الفريق من السياسيين انه اذا جِيء برئيس حسب رغبة باسيل فإن هذا الرئيس سيكون تحت قبضة «الفريق الآخر» لأسباب عقائدية وفكرية وثقافية، لأن الموارنة في صفوف فريق 8 آذار نادرون، وبالتالي فإنّ أي اسم يمكن لباسيل ان يطرحه سيكون من خارج هذا الفريق، كزياد بارود مثلاً. واذا سلّمنا جدلاً ان بارود انتخب رئيساً للجمهورية فإنّ الضغوط على باسيل ستتزايد لأسباب فكرية وثقافية منها اقتراب بارود، وربما اسماء اخرى غيرها يمكن باسيل ان يطرحها، من الغرب ومصالحها مع هذا الغرب، ولا يمكن أن يقبل بها «حزب الله»، خصوصا انها ستتأثر بـ»القوات اللبنانية»، ومن هذا المنطلق فإن اي رئيس من هذا النوع سيكون خاضعاً لتأثير «القوات» وحلفائها.

 

 

 

 

ولكن في المقابل، يضيف السياسيون أنفسهم، ان ليس هناك عداوة وخصومة بين فرنجية وباسيل، بل مواقف شخصية يمكن ان تحلّ بينهما ويلتقيان في الاستراتيجيا، اذ ليس لفرنجية اي مطامع شعبية في جبل لبنان كيف لا وهو قد أصَرّ منذ العام 2005 على ترشيح تيار «المردة» للانتخابات النيابية في البترون حيث لديه حضور تاريخي وازِن. وبما ان ليس لديه مطامع شعبية وانما تباين شخصي مع باسيل، فإن وصوله الى الرئاسة يشكل ضماناً سياسياً له في مواجهة مَد «القوات» التي لها تاريخ من الدم مع آل فرنجية. وبالتالي، انّ الكباش الحقيقي سيكون في هذه الحال بين فرنجية وجعجع وهو الأمر الذي يريح باسيل، زِد على ذلك ان هذا الامر سيكون بضمان «الثنائي الشيعي».

 

 

ولكن في حال انتخب جوزف عون رئيساً للجمهورية، والذي هو قائد الجيش، فمعلوم مَدى التصاق «التيار الوطني الحر» بالجيش، وهو ما قد يؤثر سلباً على باسيل الذي لم يتّفِق يوماً طول 5 سنوات مع قائد الجيش لاعتبارات سياسية، ناهيك عن ان جوزف عون مُكافَأ اميركياً فيما جبران مُعاقب اميركياً. اما القول ان هناك امكانية للذهاب الى فراغ رئاسي طويل، او السعي الى هذا الفراغ والرهان على نزع العقوبات الاميركية عن باسيل والرغبة في الوصول بعدها الى رئاسة الجمهورية، فهو كلام إن صحّ فهو غير واقعي لا بل مستحيل.

 

 

 

ولذلك، يرى السياسيون المخضرمون «انّ الواقعية السياسية تقتضي من باسيل مقاربة الملف الرئاسي بموضوعية تامة والرهان على شهامة فرنجية في التعاطي، والذي يفي اذا وعد حتى بشهادة خصومه».

 

 

إذاً «قُضِيَ الامر الذي به تستفتيان». فقبل 5 سنوات قال أحد النواب الصقور من المخضرمين في صفوف فريق 14 آذار: «ان المنافسة على رئاسة الجمهورية بين فرنجية وقائد الجيش لم تبدأ اليوم وإنما كانت قد بدأت منذ خمس سنوات»، وهي ما يسير في اتجاهها الاستحقاق الرئاسي الآن.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى