سلايداتمقالات

شوقي متى… رحيل صامت

كتبت: كفا عبد الصمد
يقف على ناصية شارع الحمرا في قلب بيروت، أمام مقهى “المودكا” سابقا، قبلة الباحثين عن المعرفة والثقافة والفن الراقي، قبل أن يتحول إلى مركز تجاري، يخفي أعمال مشبوهة، ذاك المقهى الذي كان يجمع نخبة فنانين ومثقفين الوطن والذي كان دليل حاضر على بيروت المدينة التي لا تنام.. عرفته من شعره الأبيض وقامته الممشوقة، إبتسامته الدافئة لم تمحو ملامحه القاسية، وعقدة حاجبيه، وسطوته التي لا تخفيها إستقامة جسده وقوة حضوره.. كان ينتظر تاكسي، وما أن اومأ بيده حتى توقفت سيارة أمامه بسرعة، فتح الباب ورمق من حوله بإبتسامة عابرة وإنطلق..
في هذه الفترة كنت لا أزال طالبة جامعية، لم أدخل عالم الصحافة، ولم أتعرف إلى قوانين المهنة، لكني في اللحظة التي رأيته فيها، تسمرت في مكاني، إنه شوقي متى، تقدمت خطوة إلى الأمام، وعدت خطوتين إلى الخلف، رغبت كثيرا في محادثه، والتقرب منه، وسماع صوته، لكني لم أفعل ولم أعد أتذكر لماذا لم أتقدم منه بالسؤال عن أي موضوع وفي أي موضوع، لم يوقظ حشريتي ربما لأني كنت في بداية تعرفي على عالم المشاهير، مدهوشة بما أراه، ومتكئة في حكمي على صور جسدها النجوم في أعمال لبنانية نادرة لكنها تروي حقبة تذكرك يوم كان لهذا الوطن هوية وإنتماء..
شوقي متى، واحد من رجالات الزمن الجميل، قدم الكثير من الأدوار، وتمرس في أداء الشر والقوة والقساوة، كان رقما صعبا في المعادلة الفنية، أتقن فن التعامل مع الشاشة، وبسط سلطة مختلفة في أذهان الحضور، ورغم أنه كان شريرا لكنه كان محبوبا، ونجما بكل المقاييس..
أنتمي بالفطرة إلى زمن الفن الجميل ذاك، أحب رواده وفنانيه، وأحب جميع تفاصيله السيئة منها والجميلة، يخالجني شعورا مختلفا كلما رأيت أحدا من رواده، أشعر بأن لهذه الفتية دورا في تحقيق حلم لبنان، وبناء بيروت الثقافة، ووضع حجر الأساس في التواجد على الساحة الفنية العربية والعالمية..
رحل شوقي متى رحيل صامت، لم يثير الضجة، وكما في حضوره في غيابه، حجز مكانا خاصا مستقلا، لم يمن عليه أحدا بنجومية صنعتها عظمته في التمثيل، ولم يحصد ما يستحق من الشهرة ربما لأنه أراد ذلك، أو لعلها قناعة عاش بها، مهما تكن النتيجة، رحل بطل الحسناء والعمالقة، وعودة البطل، وناجي العلي، و10 عبيد زغار، وغيرها من الأعمال التي حفرت في ذاكرة أبناء جيلي صورة مشرقة عن لبنان الوطن الذي نحلم به..
شوقي متى وجه مشرق من وجه الوطن، فلترقد روحك بسلام، شكرا على ما منحتنا إياه من فن يليق بنا، وعذرا أنك كنت عملاقا في بلد تحكمه الأقزام، فلم تنل ما يليق بك…

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى