
كتب علي حمادة في النهار:
لا مصلحة للبنان ولا لإسرائيل في الانزلاق نحو توتير امني او ما هو ابعد من ذلك. إسرائيل لديها حساباتها التي تقوم على الإبقاء على الستاتيكو الأمني على جانبي الحدود مع لبنان، وخصوصا مع اقتراب موعد انتخابات الكنيست في الشهر المقبل، حيث ترتفع المواقف الانتخابية. حصل هذا مع الحملة التي قادها رئيس الوزراء السابق بنيامين نتنياهو ضد مشروع الاتفاق اللبناني – الإسرائيلي برعاية أميركية وقبول حكومة يائير لابيد مسودة الاتفاق. والحقيقة ان المستوى العسكري في إسرائيل يؤيد قبول مسودة الاتفاق، أولا لأنها تراعي مصالح إسرائيل وتمنحها حرية العمل كاملة في حقل كاريش باعتباره غير متنازع عليه. من جهة أخرى، للبنان حسابات داخلية وخارجية تدفع بجميع القوى على اختلاف مصالحها الخاصة هنا الى تجنب الانزلاق نحو توتير امني مع إسرائيل. فالازمة الاقتصادية والاجتماعية والمالية في البلاد اكبر من قدرة لبنان على تحمّل حرب تنتهي بتدمير ما لم تدمره الازمة. لبنان وبعيدا من الخطابات الحماسية على شاشات التلفزة لا مصلحة له اطلاقا بالتورط في حرب، بل ان المصلحة في حال استمرار الخلاف على بعض البنود او الإضافات من هنا او هناك لا تبرر حروبا لا طائل منها. إدارة النقاط الخلافية تتم عبر الديبلوماسية المكوكية التي يقوم بها الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين، وان بقيت بنود خلافية وتسببت بإرجاء التوقيع على الاتفاق، تبقى الديبلوماسية هي الأساس وليس التلويح بالحروب من هنا وهناك. ومن هنا فإن التعديلات اللبنانية يجب ان توضع في ميزان التفاوض، بمعنى ان بعضها يمكّن من دفع الإسرائيليين الى القبول به، وبعضها الآخر يستحيل ترك الإسرائيليين يفرضون مشيئتهم حوله. والحقيقة ان التعديلات اللبنانية كلها قابلة اما للقبول وإما يمكن التفاوض عليها من دون ان يحاول يائير لابيد رفع التحدي لضرورات انتخابية لا طائل منها. فخط العوامات لا يجوز ان يكون خطا نهائيا، بصرف النظر عن استغلال الإيرانيين للموضوع عبر “حزب الله”. خط العوامات يجب أن يكون موقتا لانه يشبه في مكان معين في وضعه الخط الأزرق القابل للتفاوض بهدوء من دون التورط في مواجهات امنية او عسكرية لا تريدها الأطراف.
لقد وضع الجانب اللبناني التعديلات على مسودة هوكشتاين بناء على قرار من خارج غرفة التفاوض الرسمية. ثمة طرف دخل على الخط في ربع الساعة الأخير وفخّخ الاتفاق بما أدى الى ترحيله بعض الوقت. في إسرائيل دخل الاستحقاق الانتخابي عاملا رئيسيا في المسألة التي صُوّرت على انها استسلام لـ”حزب الله”. أُبلِغ الرفض، ثم انطلق الضخ التجريبي المعاكس صبيحة يوم الاحد في سياق الحسابات السياسية الانتخابية.
اليوم نحن امام استحقاق الترسيم. يجب على لبنان ان يذهب في هذا الاتجاه مع ميشال عون وبعد ميشال عون. فالترسيم البحري يعيد اطلاق القطاع النفطي في لبنان في جميع “البلوكات” الأخرى التي لم يتم العمل فيها. والأهم من ذلك انه بعدما اساء المسؤولون اللبنانيون إدارة ملف التفاوض حول الحدود البحرية جنوبا (على امل الاّ يتكرر الامر شمالا)، ربما كان على لبنان ان يتحضر لاحقا (بعد خمس سنوات) لمرحلة سيكون فيها ملزما بالانتساب الى “كونسورسيوم” إقليمي في شرق المتوسط قوامه مصري – اردني – فلسطيني (بحر غزة)، قبرصي وأخيرا إسرائيلي (بشروط خاصة) لاستثمار النفط والغاز وتسويقهما عبر شبكة خطوط انابيب لا تميز بين نفط وغاز “مُمانع” وبين نفط وغاز”مطبِّع”!