سلايداتمقالات

الإتفاق إلى التوقيع: سيادة لبنان كاملة.. و”الترسيم” النهائي مؤجل

كتب منير الربيع في المدن:

كانت سمة الاستغراب لدى المسؤولين اللبنانيين هي الطاغية، بنتيجة رد الفعل الإسرائيلي، والذي انعكس في تسريبات تشير إلى الرفض الإسرائيلي للملاحظات التي سلّمها لبنان إلى الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين. حسب ما يقول مصدر رسمي لبناني، فإن هوكتشاين وعندما أرسل مقترحه كان قد ناقشه مع المسؤولين الإسرائيليين ووافقوا عليه. وكان متوقعاً أن يكون لدى المسؤولين اللبنانيين بعض الملاحظات، خصوصاً تلك المتعلقة بالمنطقة الأمنية ومسألة التعويضات. عندما جاءت التسريبات الإسرائيلية حول رفض الملاحظات، درس اللبنانيون احتمالين. الأول، أن يكون الإسرائيليون استغلوا هذه الملاحظات للإطاحة بالاتفاق ككل. والثاني، أن يكونوا قد دخلوا في حفلة مزايدات شعبوية وإعلامية، للقول إن لديهم شروطاً قاسية لا بد من تحقيقها ليسير الاتفاق، وذلك نزولاً عند حسابات انتخابية، وفي مواجهة الحملة الشرسة التي تقودها المعارضة الإسرائيلية بقيادة بنيامين نتنياهو ضد هذا الاتفاق، ووصفه بأنه هزيمة واستسلام أمام حزب الله.

جدية أميركية
انتظر اللبنانيون التواصل مع الوسيط الأميركي، لحسم أي احتمال من الاثنين. فكانت تصرفات هوكشتاين ومسارعته إلى تكثيف تحركاته واتصالاته مؤشراً على الجدية الأميركية، والسعي الحثيث للانتهاء من هذا الملف. عندها استقر رأي اللبنانيين على أن الضغط الأميركي سيؤدي إلى النتائج المطلوبة، وسيتم إبرام الاتفاق سواء قبل الانتخابات الإسرائيلية أو بعدها، بغض النظر عن نتائجها، وبضمانة أميركية. تفعّلت حركة الاتصالات بين هوكشتاين ونائب رئيس مجلس النواب الياس بو صعب، إن هاتفياً أو عبر اجتماعات بتقنية زوم، وأيضاً من خلال اجتماعات عقدت بين فريق عمل هوكتشاين والفريق التقني اللبناني، تم خلالها وضع صيغ ملائمة، لغوياً وتقنياً، لتمرير الاتفاق والحصول على رضى الطرفين.

السيادة والضمانة الأمنية
كان الاعتراض الإسرائيلي متعلقاً بنقطتين هما المنطقة الأمنية والتعويضات. هنا لا بد من العودة إلى بداية القصة. خلال تفاوض هوكشتاين مع الإسرائيليين، أصروا على اعتبار خط الطفافات الذي أقامه الإسرائيليون في العام 2000 هو الحدود الدولية التي تريدها اسرائيل، أي أن حدودها تصل إلى النقطة 31 شمال الخط 23. رفض لبنان هذا الاقتراح كلياً. فكانت وجهة نظر جديدة بإقامة منطقة أمنية في محيط خط العوامات، إلا أن لبنان اشترط أن تكون هذه المنطقة خاضعة للسيادة اللبنانية. فاعترض الإسرائيليون، ليخرج اقتراح تولي تلك المنطقة من قبل الأمم المتحدة وتوسيع صلاحياتها، إلا أن حزب الله رفض هذا الأمر، خصوصاً أنه يعترض على توسيع صلاحيات الأمم المتحدة في البر، فكيف له أن يرضى بتوسيع صلاحياتها في البحر.

على وقع هذه الخلافات كان القرار الأميركي حاسماً بضرورة الوصول إلى الاتفاق، فتم التوافق على سحب هذا البند المتعلق بالمنطقة الأمنية من مسودة الاتفاق. وهذا ما أرسله اللبنانيون في ملاحظاتهم التي اعترض عليها الإسرائيليون، خصوصاً أن رئيس الحكومة يائير لابيد كان يؤكد أمام الإسرائيليين بأن الاتفاق سيؤمن ضمانة أمنية واستقراراً يصب في صالح إسرائيل. أصر لبنان على رفض هذا المبدأ، فيما مارس هوكشتاين ضغوطه على الإسرائيليين للقبول بذلك. وقد أبلغ اللبنانيين بفحوى اتصالاته معهم. قادت هذه الاتصالات إلى ترك تلك المنقطة التي لا تتجاوز الكيلومترات المربعة القليلة معلّقة، على قاعدة أن لبنان لا يعتبرها حدوداً إسرائيلية، وهو متمسك بها تحت سيادته، ولكن البت بها يبقى مؤجلاً إلى فترة لاحقة، عندما يحين موعد الترسيم البري.

اجتهاد لغوي!
وحسب ما تقول مصادر متابعة لـ”الملف”، فإن هذه المنطقة ستكون منطقة حرّة فاصلة، تحتاج إلى ترتيبات لوجستية لضمان الاستقرار وعمليات التنقيب والإستخراج. وبالتالي، فإن المقترح الجديد ينص على استبدال لغوي للإشارة إلى تلك المنطقة، فبدلاً من أن تكون منطقة أمنية، أصبحت منطقة حرّة. وبدلاً من أن تكون بحاجة إلى ترتيبات أمنية، أصبحت العبارة الواردة أنها بحاجة إلى ترتيبات لوجستية.. على أن يبقى خط الطفافات. ولكن يتم تأجيل البت بهذا الأمر في وقت لاحق. فيقضي الاتفاق بأن يباشر الطرفان العمل على التنقيب أو الإستخراج بغض النظر عن حسم هوية هذه المنطقة. وافق لبنان على هذا الاقتراح، وهو انتظر الضغط الذي يمارسه هوكشتاين على الإسرائيليين للموافقة أيضاً. وهذا ما قام به الوسيط الأميركي الذي عمل على إعداد المقترح بناء على هذه المعطيات.

كذلك كان هناك بعض النقاط الشكلية والقانونية، لكنها لا تؤثر على مجمل الاتفاق، وهي تتعلق بآلية عمل شركات التنقيب في حقل قانا، وكيفية الدخول إليها، وأن لا يكون لإسرائيل أي سلطة على منع البواخر من الدخول إلى الجزء الجنوبي منه، بل أن تأخذ علماً بذلك فقط. أما بما يتعلق بمسألة التعويضات فأكد لبنان على أنه لا علاقة له بهذا الأمر، ولا يريد أن يرد في المرسوم الذي سيعمل على إقراره وإيداعه في الأمم المتحدة أي إشارة لهذا الأمر، لأن لبنان يرفض دفع أي تعويضات لصالح إسرائيل، فيما يكون أمر أي تعويضات مرتبطاً بالعلاقة بين الإسرائيليين وشركة توتال. وفي الأساس، كانت المفاوضات قد بدأت بين الجانبين حول ذلك. وتعطي المصادر المتابعة مثلاً، ففي حال كانت التقديرات لمخزون الغاز في حقل قانا تساوي حوالى مليار دولار، تكون حصة لبنان مثلاً 600 مليون، فيما حصة الشركات 400 مليون، ويتم دفع التعويضات لإسرائيل من حصة هذه الشركات.

الاتفاق منجز
عملياً، الاتفاق أصبح منجزاً، وهو يرتبط ببعض الصياغات وباختيار التوقيت المناسب للتوجه إلى الناقورة، وإعداد المراسيم اللازمة، بالإضافة إلى البحث عن المستوى التمثيلي للبنان، ونوعية الوفد الذي سيوقع المرسوم في الناقورة، وإذا ما سيمثل لبنان وفد تقني عسكري فقط، أم يضم عسكريين ومدنيين. كما أن الحكومة ستعمل بعدها على إعداد مرسوم يوقع عليه وزراء الأشغال، الطاقة، والدفاع ورئيس الحكومة ورئيس الجمهورية، لإيداعه لدى الأمم المتحدة. وهنا يبرز تقديران، رأي يقول إن ذلك سيحصل قبل آخر الشهر الحالي، فيما رأي آخر يعتبر أن الأمر قد يتأجل لما بعد الانتخابات الإسرائيلية. ولكن مصادر ديبلوماسية متابعة للملف تؤكد إن واشنطن هي صاحبة الضمانة بما يخص الاتفاق. فحتى لو فاز نتنياهو مثلاً في الانتخابات فهي ستضغط لعدم التراجع عن بنود الاتفاق، لا بل إن واشنطن تدعم لابيد وتسعى إلى عودته لرئاسة الحكومة، وتشكيل ائتلاف يقطع طريق عودة  نتنياهو إلى رئاسة الحكومة. أما بحال وقع الاتفاق قبل الانتخابات الإسرائيلية، فإن ذلك سيؤدي إلى استفادة لابيد منه انتخابياً، من خلال القول إنه نجح في تأمين الاستقرار وضمان الأمن والعمل على استخراج الغاز، وتجنب الحرب، لا سيما أن غالبية استطلاعات الرأي تشير إلى أن الإسرائيليين لا يرغبون بالحرب ولا بأي تصعيد عسكري.

وتضيف المصادر الديبلوماسية إن هوكشتاين يعتبر أن إنجاز ملف ترسيم الحدود بالنسبة إليه هو أمر اساسي واستراتيجي، خصوصاً بعد الفشل الأميركي في إقناع دول أوبك بلس بعدم تخفيض نسبة إنتاج النفط، كما أن تحقيق هوكشتاين لإنجاز في ملف ترسيم الحدود، سيكون عنصراً داعماً للإدارة الأميركية في الانتخابات النصفية الشهر المقبل، خصوصاً أن هناك ضغوطاً داخل واشنطن، قد تؤدي إلى تغيير في طاقم الإدارة الأميركية بعد الانتخابات النصفية. وهذا التغيير قد يشمل هوكشتاين أيضاً.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى