سلايداتمقالات

كأس نبيذ!..

كتبت: كفا عبد الصمد
يبدو اننا بالغنا في انتماءنا الى حد الثمالة، اسكرتنا فكرة القضية، ودأبنا نبحث في الاغنية والصورة والكلمة والموقف عن ما يشبه ذلك الشعور الداخلي الذي ولد بالصدفة، لكنه تأجج بفضل ما سمعناه وقرأناه وعاصرناه… نحن جيل عاش مع اسرى محررين، التقى بهم وعايشهم،وعاش تفاصيلهم الصعبة في زنزانات الاحتلال… نحن جيل حركت اغاني الثورة والرغبة الجامحة الى التحرر مواطن القوة في اعماقنا، انتفضنا على انفسنا اولا وعلى الواقع المحيط بنا، واخذتنا نشوة الانتفاضة الى حدود الجموح، حتى اصبحنا نشبه القضية، شكلا ومضمونا واحلاما…
نحن جيل عشق بيروت لان الرحابنة صوروها مدينة الخلود وجنة الله على الارض، دفعنا صوت فيروز الى ترتيل قدسية هذه المدينة، وحملتنا فرحة صباح وعظمة وديع وفيلمون ونصري وغيرهم الى اعتناق لبنان مذهبا نؤمن به قبل ان ننتمي اليه…
نحن جيل آمن باغاني مارسيل خليفة واحمد قعبور، وتمردت حفيظته الوطنية لاغاني جوليا واميمة الخليل، سرقتنا رومانسية هذه المرحلة الى الذهاب بعيدا في الحلم وكأن الحياة مجرد قضية نؤمن بها وكوفيه نضعها على الاكتاف..
نحن جيل آمن وحلم وتمرد وثار، وقلب المقاييس، ثم استسلم وأيقن اخيرا وبعد تجارب وملموسة لا مجال للشك فيها، ان الصفقات التي تجرى تحت الطاولة وخلف الكواليس هي التي ترسم ملامح المستقبل وتكتب التاريخ، اما النزعة الرفضية التي نقنع انفسنا انها من حقنا واننا خلقنا لنعترض، تبقى مجرد فقاقيع صابون، لا تتعدى الحاجة اليها، فكرة تزيين المشهدية بديكور جمالي ثورجي فيه من الرفض الكثير. يستغلون حماستنا امام مرآتهم الصباحية، كي لا يخجلوا من ما يفعلون، ويقنعون انفسهم بانهم يرفضون ويعتصمون ويثورون من خلالنا وبنا، يلبسوننا أثوابنا فضفاضة ويقنعوننا باننا في سبيل التحرر ننتفض، نموت ونعتقل ونتعذب وتضيع حياتنا فدى اتفاقاتهم وتسوياتهم ومصالحهم، فدى ارواحهم العفنة وافكارهم المزيفة، يستحوذون على حياتنا ولا ترضيهم سكرة موتنا، يستخدموننا وقودا ويبعثرون رمادنا في الهواء…
نحن جيل ارتهن الى قضية لا تعنيه، وناضل في سبيل حرية لا ترضيه، واستفاق على واقع لا مكان له فيه… نحن جيل من شدة ايمانه كفر، وقدم قربانا على مذبح الاتفاقات والتسويات، فضاعت الاحلام وتلاشت المقدسات، سقطت الاقنعة وكشف المستور…
نحن جيل يتكىء على الاطلال ويستعيد كيف كان وبماذا حلم، يحاول لملمة ذاته عله ينجح في استيعاب الكذبة التي عاشها لعقود وسنوات..
هنيئا لكم نصركم المعظم، تبادلوا الانخاب واسكروا، فالحياة لا تستحق اكثر من كأس نبيذ وقضمة تفاح وحلم لا ينتهي…

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى