سلايداتمقالات

شفافية التشريع

كتب فادي عبود في الجمهورية:

لم يعد الغموض والضبابية مقبولين في عمل مجلس النواب وآلية إقرار القوانين إن في اللجان النيابية وبعدها في الجلسة العامة. تسأل اليوم خبراء ومحلّلين واعلاميين، فيعجزون عن إعطاء تفاصيل او معلومات تتعلق ببعض القوانين التي تمّ اقرارها، مثلاً قانون السرّية المصرفية وقانون استيفاء الرسوم بالدولار، والتي حتى اليوم لم يفهم كثيرون نقطة المفعول الرجعي فيها وتفسيراته، وغيرها من القوانين التي تمرّ في غموض.

 

لقد تمّ إمرار قوانين تعدّ فضيحة في أي دولة اخرى، ولكنها في لبنان تمرّ في سلام من دون ردّة فعل او انتقاد، لا من صحافة استقصائية او جمعيات مجتمع مدني او ناشطين، او خبراء، او غيرهم.

 

 

 

لدينا تلفزيون رسمي اسمه «تلفزيون لبنان»، يمكن الاستفادة منه لتحقيق شفافية مطلقة في مناقشات اللجان والجلسات النيابية، عبر جعل هذه الجلسات منقولة مباشرة، ليتسنّى لمن يريد المتابعة ومعرفة التفاصيل. وبالطبع إقرار وتطبيق قانون الشفافية المطلقة لجعل كل ملفات القوانين ومسودات القوانين وملحقاتها ومحاضر الجلسات متاحة على الانترنت.

 

 

 

 

ولم نعرف بأي مطالبة من هذا النوع من اي كتلة او نواب سابقين وجدد في هذا الإطار. في رأيي مطلب شفافية جلسات مجلس النواب هي خطوة أساسية ومطلوبة لجعل عملية التشريع واضحة، تمكّن الناس من محاسبة من انتخبوهم.

 

 

 

وتأتي عملية التصويت على القوانين لتزيد في الطين بلّة، فمن المستحيل ان تعرف كل نائب على أي قانون صَوّت، فيتمّ الاتفاق قبل الجلسة على سلة القوانين وتصبح الجلسة شكلية لإقرارها، وهذا مخالف لأصول الديموقراطية، وتصبح عملية التصويت فوضوية عبر رفع الأيدي وعبارة «صُدّق» بطريقة سريعة، تجعل من المستحيل معرفة ماذا صَوّت كل نائب وعلى ماذا؟

 

 

 

حَق الناخب اليوم ان يحصل على الشفافية المطلقة، ويعرف النائب الذي أوصَله إلى البرلمان على ماذا صوّت، وكيف وعلى ماذا اعترض. التصويت يجب ان يكون إلكترونياً مباشراً، متصلاً بمنصة إلكترونية يستطيع المواطن من خلالها مراقبة عملية التصويت. هذه العملية تجعل النائب يخضع للمساءلة والمراقبة، فالتوكيل الذي أُعطي له للدخول إلى المجلس يربطه بالمواطن وليس باتفاقات وصفقات سياسية تحت الطاولة.

 

 

 

علينا إسقاط كل ما هو سرّي في القطاع العام، فالسرّية في أعمال الدولة تعني نية سيئة او التخطيط لما هو ضدّ المصلحة الوطنية. نصرّ على مطلب الشفافية المطلقة في لبنان، لأنّ معظم مصائبنا ومشكلاتنا مرتبطة بغياب الشفافية والتفرّد بالقرارات وغياب المحاسبة. فلماذا نصرّ على اعتماد الطرق نفسها مجدداً؟ ألم نتعلم بعد انّ غياب الشفافية أعطاهم سلطة مطلقة تجعلهم يتحكمون بنا وبمستقبلنا ولقمة عيشنا؟ ألم نتعلم بعد انّ المعرفة قوة، وانّ الشفافية تعطينا سلطة المراقبة والمحاسبة؟

 

 

 

 

في موضوع آخر، اتحسّر عندما ارى كيف يتمّ التعامل مع الشؤون الاقتصادية في بلدان اخرى. فقد تمّ إجبار رئيسة الوزراء البريطانية ليز تراس على الاستقالة بعد 41 يوماً على تسلّمها المنصب، بسبب رفض خطتها الاقتصادية الفاشلة التي تعتمد على التخفيضات الضريبية غير الممولة والزيادات الضخمة في الاقتراض الحكومي، مما سبب ذعراً في الأسواق، وتسببت في هبوط الجنيه الإسترليني إلى أدنى مستوى في تاريخه. واستقالت قائلة: «أريد أن أتحمّل المسؤولية وأقول إنني آسفة على الأخطاء التي ارتُكبت».

 

 

 

مجتمعات تتحرك بدوافع اقتصادية بحتة، يتمّ اسقاط حكومات بسببب قرارات اقتصادية فاشلة. اما في لبنان، يستمر من يتسلّمون زمام الامور ولا يملكون «معلمية» في الاقتصاد، والدولار وصل إلى 40 الف ليرة. في لبنان لا اعتراض على خطط فاشلة، او قرارات، ويمرّ إهدار ملايين الدولارات للدولة من استيفاء رسوم على مدى سنتين مرور الكرام.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى