كتب جهاد الزين في النهار:
مع إعلان رئيسة المحكمة العليا الإسرائيلية يوم الخميس المنصرم أنه لا حاجة لكي تُعرض اتفاقية #ترسيم الحدود البحرية مع لبنان على الكنيست، ثم رفض المحكمة العليا الاعتراضات ضد الاتفاقية، لم تعد هناك عقبة أو لا احتمال عقبة جدية أمام موافقة إسرائيل كدولة (لاكحكومة) على هذه الاتفاقية التي رعتها الولايات المتحدة وحظيت حتما بموافقة إيران.
هذه الاتفاقية – المعاهدة شاء التاريخ الذي “صنعته” إيران أن تكون فاتحة تغيير لما تبقّى من الشرق الأوسط القديم على خط الهلال المشرقي .
إيران نظام رجال الدين يجد طريقة للبدء بالدخول في العصر الإسرائيلي، عصر تولّي إسرائيل قيادة الشرق الأوسط بديلاً للقيادة الأميركيةالتي وجدت في حليفها الاستثنائي بديلا لا غنى عنه للحلول مكانها.
لا تخرج الوثيقة الجديدة ل”استراتيجية الأمن القومي” للعام 2022 التي أطلقها البيت الأبيض في 12 أكتوبر الجاري على مجرى تقليده الثابت في إطلاقها كل عام للإشارة إلى متغيرات الاستراتيجيات الأميركية، لا تخرج عن هدف تخفيف التركيز السياسي على الشرق الأوسط لصالح سياسة “مواجهة الصين” و “احتواء روسيا” كما يرى خبراء أميركيون حللوا الوثيقة. هذا يجعل اذا قرأنا تحولات الأعوام المنصرمة منذ إقرار “اتفاقات أبراهام” أن سياسة التركيز على الصين البادئة في عهد إدارة أوباما والمتصاعدة في عهد ترامب والمستمرة في عهد بايدن والمتكيِّفة مع الواقع الذي فرضته الحرب الروسية الأوكرانية لم تتغيّر رغم دخول تعقيدات الحرب في اوكرانيا على المشهد العالمي والأوروبي.
قد لا يسير التاريخ صعودا ولا أحيانا بشكل منطقي. فبعد الموافقة الإيرانية على اتفاقية الترسيم بين لبنان وإسرائيل ليس بالضرورة أن نذهب سريعاً إلى اتفاق نووي بين واشنطن وطهران. لكن الآن علينا أن نتوقع المزيد من الطرق المعقدة في صناعة الجو الجديد في المنطقة.
اللبنانيون الذين يجدون صعوبة في التسليم بأن المستقبل عاد يظهر انطلاقاً من شواطئهم الجنوبية وخصوصا على يد الطرف الإيراني الذين نظروا إليه طويلاً أنه يأسرهم بحبال الأيديولوجيا المتطرفة، ومصالح الصراعات الجيوسياسية، يتحسسون رؤوسهم وجيوبهم وهم لا يصدّقون ان “معاهدة” سلام أمنية اقتصادية حصلت بين إيران وإسرائيل انطلاقا من اتفاقية ترسيم الحدود البحرية اللبنانية مع إسرائيل.
نعم “صدّق أو لا تصدّق”: حصل الأمر….ولتكتمل “الأعجوبة” بأن تقطف إيران المعاهدة تحت شعار تحقيق المصالح الوطنية العليا للبنانيين!
دعك من الإخراجات الشكلية لاتفاقية التسليم فإن التحول الجوهري الذي تنطوي عليه أعمق من أن تحصره ادعاءات أيديولوجية أو سياسية.
هناك مجموعة “كتل” تترافق في إطلاق المصالح الجديدة في المنطقة.
“الكتلة” الأولى اقتصادية وعنوانها الغاز ومنظومته في شرق المتوسط. في الظاهر اتفاق الترسيم لا يُدخل لبنان في شبكات التعاون الاقليمي التي تضم مصر وقبرص واليونان وإسرائيل (وتركيا عبر إسرائيل) لكنه ينخرط في المدى الجديد الحيوي سواء بشكل غيرمباشر أو مباشرة عبر المشاركة القطرية ناهيك عن الفرنسية في الترتيبات المتعلقة بالاستخراج وآلياته الماليةوالاستثمارية.
“الكتلة”الثانية أمنية هي جزء من الاستقرار الأمني ولو دون تنظيم. لن يعني ذلك أن صيحات الحرب الإعلامية ستقف سريعا ولكن الكل يعرف أنه سيصبح من الصعب اللعب بمعادلات الاستقرار الأمني خصوصا بين لبنان وإسرائيل.
“الكتلة” الثالثة سياسية تنمو بين المتون والهوامش التي تتيحها التفاعلات الاقتصادية والأمنية.
سقط جزء مهم من بقايا البكارة الأيديولوجية في المنطقة وتحديدا البكارة الإيرانية وربما بعض بكارة التطرف العنصري الإسرائيلي بعد اتفاق ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل. صحيح أن الغشاء السياسي والأيديولوجي لا زال كثيفا ولكن تفاعلات “الزمن الجديد” ستظهرآجلا والأهم تدريجيا.
إنه توقيع إيراني على معاهدة سلام اقتصادية بين لبنان وإسرائيل .
إنه توقيع لبناني بمعنى أنه يحظى بدعم أكثرية الشعب اللبناني الحالمة بمخرج من انهيارها الحالي .
إنه توقيع شيعي ومسيحي وسني ودرزي في الصيغة اللبنانية ولو قبل أن تتضح حصص الطائفيّات السياسية المتربصة بالعائدات.