
كتب وجدي العريضي في النهار:
ما بين عهدي الرئيسين ميشال عون وإميل لحود أوجه شبه وتحديداً على خط الأصدقاء والخصوم من خلال من غادرهما وتخلّى عنهما ومن بقي معهما ومن أضافوا من حلفاء وأصدقاء، مع الإشارة إلى أن كليهما وصل الى قصر بعبدا بدعم من “حزب الله” وفريق الممانعة.
في السياق، ومع ساعات يعدّها البعض بالثواني والدقائق لمغادرة رئيس الجمهورية ميشال عون قصر بعبدا الى الرابية، ليعود جنرالاً دون أن يتقاعد بدليل أنه كما أشارت “النهار” قبل يومين، أعدّ فريقه السياسي والإعلامي الذي سيلازمه في فيلاته الجديدة ليعود الى ممارسة اللعب على حافة الهاوية والتصعيد ومهاجمة خصومه بأسلوبه وعلى طريقته، وهو متمرّس في هذا “الكار”، ولهذه الغاية كانت بروفته من قصر بعبدا تصعيدية قبل الصعود الى مكان إقامته.
أما من كسب عون من حلفاء وخسر الكثير منهم ومن أضاف الى رصيده من أصدقاء جدد، ففي قراءة متأنية لما أحاط بعهده من محطات لا تُحصى ولا تُعد، يتبدّى بوضوح تعرّضه لخسائر جسيمة على خط الحلفاء والأصدقاء ومن الدائرة الضيّقة المحيطة به ومنهم الحلفاء وكما يُقال “من بيت أبي ضُربت” من خلال العائلة عينها، أكان ابن الشقيق أم “الصهر المغوار” النائب السابق شامل روكز، الى عونيين بالجملة غادروا الرابية بعد العودة من المنفى، الى ميرنا الشالوحي حيث أضحت المعارضة العونية بمثابة “ميني حزب” قائم بحد ذاته وإن لم يقلّع انتخابياً وسياسياً، بينما الخسارة الأبرز تمثّلت بتصدّع خليّة السبت التي كانت بمثابة خريطة طريق لرسم السياسات بكل أشكالها للعماد عون قبل وخلال الرئاسة بعد انفراط عقدها وخروج أبرز منظريها من نائب رئيس المجلس النيابي السابق إيلي الفرزلي الى “صانع الرؤساء” الوزير السابق كريم بقرادوني، الذي لا ينفكّ في مجالسه والإعلام عن انتقاد عهد عون، لا بل قال إنه توقّع أن يكون عهداً شهابياً ثانياً، ولكن فشل فشلاً ذريعاً والأمر عينه للفرزلي الذي بات من أبرز معارضي رئيس الجمهورية وصهره رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل، وبمعنى أوضح إن خسارة عون لحلفاء وأصدقاء بارزين كانت مدوّية.
أما على خط العلاقات الرئاسية والمرجعيات والأحزاب، فهي بدورها شهدت أكثر من عملية إنزال وصولات وجولات بدءاً من رئيس المجلس النيابي نبيه بري حيث عُمّدت هذه العلاقة بالتصعيد منذ لحظة انتخابه في ساحة النجمة، ولم يقصّر أبو مصطفى في انتقاد عون وما زال ينتظره على كوع تصفية الحسابات حتى بعد خروجه من القصر الى الفيلا، بينما – وهنا بيت القصيد – تبنّي الرئيس سعد الحريري دعم ترشيح عون ل#رئاسة الجمهورية أودى به سياسياً وأكثر من ذلك من الحلفاء في الداخل والخارج من خلال معادلة “نادر وجبران” التي أنتجت هذا التبنّي، وبالتالي لا يمكن القول إن عون خسر صديقه الحريري إذ ما زال يُذكّر في الدقائق القاتلة لخروجه من بعبدا بأنه من أنقذه من احتجازه كما يرى، ولكن يقدّر ظروفه أي يغادر بعبدا “لا معلّق ولا مطلّق” على خط العلاقة مع الشيخ سعد. أما النهاية فكانت درامية مع الرئيس نجيب ميقاتي إذ ودّعه بقصف سياسي من العيار الثقيل ليردّ عليه الأخير بانتقادات حملت من خبرة رئيس حكومة تصريف الأعمال الكثير من الصبر وتدوير الزوايا، وبمعنى أوضح وتاريخياً ثمّة غياب للكيمياء بين العونيين والسنّية السياسية مع سائر رؤساء الحكومات السابقين والمرجعيات السياسية والنواب وفتور دائم مع دار الفتوى، وعلاقة سيئة مع المملكة العربية السعودية تردّت في هذا العهد، أي إن خسائر الرئيس المغادر تراكمت على الخط السنّي ولم يكسب حليفاً أو أصدقاء جدداً، فيما لا يزال تفاهم مار مخايل صامداً والعلاقة مع “حزب الله” في أحسن حالاتها مع البرتقاليين والمؤسّس، وكل ما يُقال ليس سوى توزيع أدوار ومناورات سياسية، وبات لدى حارة حريك رئيسان مقاومان، إميل لحود وميشال عون، بينما ليس ثمّة “حيط عمار” بين شقّ توأم “حزب الله” أي حركة أمل ورئيس الجمهورية وتياره قبل انتخابه رئيساً وخلاله وبعده.
في السياق عينه، وعلى الصعيد الدرزي فالعلاقة بين المختارة والعماد عون لم تصل يوماً الى أي إيجابيات سوى محطات نادرة بفعل المعارك السياسية والعسكرية بين الطرفين في حقبة الثمانينيات، ولذا كان التصعيد سيّد الموقف بينهما، فيما التحالف مع خلدة والجاهلية لم يخلُ من “ميني فتور” في الاستحقاقات السياسية والانتخابية ولا سيما في الآونة الأخيرة إذ غابت زيارة كل من الوزيرين السابقين وئام وهاب وطلال أرسلان لقصر بعبدا.
من هنا، يغادر عون قصر بعبدا كما كانت حال الرئيس لحود، لا وداع من حلفاء بل تحوّل معظمهم الى خصوم، مع فارق أن لديه تياراً برتقالياً واسع الانتشار سيرافقه بالطبل والزمر، أي “زمور الجنرال راجع” مع قلة من أصدقاء أضافهم الى رصيده من بعض الطوائف بفعل توزيرهم ولكن لا حيثية تمثيلية لهم، ويبقى من قصر الشعب الى المنفى ومن ثمّ الى الرابية وصولاً الى قصر بعبدا صعوداً الى فيلا الرابية هو ميشال عون.