كتب فادي عبود في الجمهورية’
تستمر الحكومة في اتباع سياسة اقتصادية عشوائية تتمثل في فرض ضرائب من دون وضع خطة متكاملة تحقق النمو الاقتصادي وتدعم الانتاج. بلدٌ تعرّض لانهيار اقتصادي منذ ما يقارب الثلاث سنوات، تستمر حكومته في وضع موازنات عشوائية، عبر وضع ضرائب من دون التحقق من أثرها الاقتصادي. انّ البلدان التي تعرّضت لأزمة اقتصادية تبدأ فوراً بدعم قطاعاتها المنتجة لزيادة صادراتها، كون تلك الخطوة الوحيدة للخروج من الأزمة.
المطلوب اليوم ان نضع الإنتاج قبل الضرائب، لكي يتمّ تأمين فرص عمل منتجة، ليتمكن الناس من تحصيل الاموال قبل فرض ضرائب عليهم وزيادة تعثرهم.
المطلوب الاهتمام بالقطاعات المنتجة التي تنازع للبقاء في ظلّ عوائق عدة وغياب أي خطة جدّية. فالقطاعات المنتجة وحدها تستطيع رفع النمو وتوجيهنا إلى الخروج من التعتير نحو الازدهار.
المطلوب من الدولة حماية هذه القطاعات المنتجة وتشجيعها، وذلك عبر تغيير كافة الإجراءات الادارية وجعلها أكثر فعالية، والانتهاء من البيروقراطية الادارية التي تحطّم تنافسية لبنان الاقتصادية، تأمين تعرفة كهرباء صناعية ليتمكن المنتجون من الاستمرار، كذلك تأمين عمليات استيراد وتصدير فعّالة وحديثة على مدار الساعة، وإطلاق المفاوضات لتأمين تصدير بري بأسعار مقبولة، وفتح التنافس في موضوع الطيران لتأمين اسعار تذاكر سفر تنافسية إلى لبنان، وحلّ مسألة البريد السريع والمصاريف والرسوم غير المعقولة، وغيرها من الإجراءات التي ذكرناها مراراً.
هذا دور الدولة في ما خصّ دعم القطاعات المنتجة، ولكن هناك مسؤولية أساسية على أصحاب وعاملي القطاعات المنتجة في لبنان. فلا يكفي ان تقوم الدولة بدعم القطاع الانتاجي لنحقق الازدهار، يجب ان تتغيّر العقلية المتعلقة بالانتاج، بحيث يلتزم كل من يعمل في هذه القطاعات بالحرص على تقديم افضل سلعة وخدمة. ونعني بالإنتاج، كل نشاط صناعي، سياحي، خدماتي، زراعي الخ.
ففي الصناعة، علينا ان نطوّر عقلية التنافس في جعل سلعنا وبضائعنا تطابق المواصفات العالمية، ونسعى للريادة والابداع، والابتعاد عن الغش والتزام أعلى معايير الحرفية والمهنية، وهذه مسؤولية كل فرد من هرم الانتاج.
اما في القطاع السياحي، والذي يملك امكانيات كبيرة، فيجب ان نعمل بعقلية جديدة تهدف إلى جعل زيارة كل زائر الى لبنان مميزة، تجعله يكرر العودة اليه دائماً، من الاستقبال في المطار وحتى لحظة المغادرة، وهذا يتطلب حرفية، بدءاً من موظف الاستقبال في المطار، وصولاً الى سائق التاكسي وموظفي الفنادق والمدراء، والعاملين في المطاعم الخ… والتزام عدم غش الزائر واستغلاله.
وايضاً في القطاع الزراعي، من حيث تطوير منتوجاته وجعلها مطابقة للاسواق العالمية، والقطاع الخدماتي الذي يملك لبنان طاقات بشرية هائلة فيه.
التزام هذه العقلية سينعكس خيراً على الجميع. فأي عملية غش من احد ستسبب في ضرب سمعة لبنان وستنعكس على الجميع. وفي هذا السياق، على الدولة ان تتوقف عن إدارة الخدمات التي لا قدرة لها على تطويرها مثل التعليم (ذكرنا في مقالات سابقة، وسنزود القارئ مقالات مقبلة بشرح مفصّل حول سبل توفير تعليم في مستوى متطور للجميع وخصوصاً للفقراء).
والأهم وقبل كل شيء، وهي قصة إبريق الزيت المعروفة، إقرار الشفافية المطلقة والبيانات المفتوحة، قبل القيام بأي خطوات. فلا يجوز ان يتمّ استخراج النفط وبيعه قبل ان نملك الشفافية، ولا يجوز الاستدانة من صندوق النقد الدولي وغيره قبل الشفافية، لأنّ النتيجة معروفة مسبقاً. وكأننا نضع ماء في سلة مثقوبة، فستختفي كل المداخيل والموارد الجديدة في دوامة من الهدر والفساد، كما حصل مع كل الاموال السابقة التي دخلت الى خزينة الدولة.
لا يجوز ان نقبل بعد اليوم ان يتمّ بيع مواردنا او يتمّ الاستدانة باسمنا من دون ان نعرف اين يذهب كل قرش وكيف يتمّ صرفه، في كل مناقصة او مشروع اشغال عامة، في الرواتب والاجور العامة، في مصاريف كل وزارة او مؤسسة عامة وغيرها…
انّ استمرار تجاهل الشفافية وخطط تطوير الانتاج والمطالب الاخرى هو انتحار جماعي.