سلايداتمقالات

الحسيني: بالثلثين حضوراً يُنتخب رئيس الدولة

كتب نقولا ناصيف في الأخبار:

ليس السجال الدائر حيال المادة 49، في خامسة جلسات انتخاب رئيس الجمهورية الخميس كما في جلسات سبقتها، سوى اشتباك كاريكاتوري ومهين في آن في مقاربة مادة اضحت في أوان الانتخابات الرئاسية الاكثر افتعالاً للجدل السياسي منه الدستوري

 

مفارقة المادة 49 ان أحداً لم يأتِ على ذكرها في استحقاق 2014 – 2016 بعدما انفجرت للمرة الاولى في استحقاق 2007 – 2008. اما ما قبل ذهاباً الى عام 1926، فلم يُثر سوى فقرتها الثانية (قبل تعديل 1990) المتعلقة بانتخاب موظفي الفئة الاولى متناولة عام 1958 انتخاب قائد الجيش اللواء فؤاد شهاب رئيساً للجمهورية، وعام 1976 انتخاب حاكم مصرف لبنان الياس سركيس للمنصب نفسه. كلاهما لم يستقل قبل ستة اشهر من انتخابه تبعاً للفقرة الثانية في المادة 49، فدار لغط عابر انطفأ للفور. اما الفقرة الاولى القديمة (قبل تعديل 1990) فانتظمت الانتخابات الرئاسية حيالها وانتخبت استناداً اليها ثلاثة رؤساء في ظل الانتداب الفرنسي و12 رئيساً بعد الاستقلال. كل من هؤلاء انتخب من الدورة الاولى او الثانية او الثالثة او الرابعة في حضور نصاب ثلثي اعضاء مجلس النواب. كان حضور الثلثين على الاقل هو الثابتة لمتغيّرة هي اصوات الفوز المترجحة بين الثلثين والغالبية المطلقة.

 

بيد ان ذلك لم يحل حينذاك دون تحوّل المادة 49 الى سجال دستوري حقيقي رصين بين علماء دستوريين انقسموا في تفسير نصاب انعقاد جلسة انتخاب الرئيس، لكنهم اتفقوا على نصاب الاقتراع له.

آنذاك قال النائب والوزير انور الخطيب والرئيس السابق لمجلس شورى الدولة الدكتور انطوان بارود ان المادة 49 لم تحدد نصاباً خاصاً لجلسة الانتخاب، ما يقتضي الاخذ بنصاب الاكثرية المطلقة كي يُحتسب الثلثان ثم الغالبية المطلقة من اصوات المقترعين. استندا كذلك الى المبدأ العام القائل انه عندما لا يُعيِّن النص نصاباً خاصاً تمارس الهيئة الجماعية صلاحياتها على وجه شرعي اذا حضر نصف الاعضاء زائداً واحداً، كي يستنتجا من ثم ان المقصود بالثلثين ليس نصاب الالتئام الذي لم تعيّنه المادة 49، بل هو ثلثا المقترعين في الدورة الاولى ثم الغالبية المطلقة منهم في الدورات التي تلي.

 

في المقابل تناول رأيا الدكتور ادمون رباط والقاضي النائب عبده عويدات في المادة 75 – لتأكيد وجهة نظرهما – ان المجلس الملتئم لانتخاب رئيس الجمهورية هو هيئة انتخابية لا هيئة اشتراعية، وهو نص كاف لوحده لازاحة المادة 34 من الدستور (النصف +1) عن التطبيق في مجال المادة 49 لانها مرتبطة بقيام المجلس بوظيفته التشريعية، في حين ان المادة 49 ترسم له كيفية توليه وظيفته الاضافية، وهي انتخاب رئيس الجمهورية المستقلة دستورياً ومنطقياً عن وظيفته التشريعية. استخلصا ان نصاب عدد اعضاء مجلس النواب ليس في الدورة الاولى لانتخاب رئيس الجمهورية فحسب، بل ايضا للعلة نفسها في الدورة الثانية لهذا الانتخاب الذي يجريه المجلس بحكم وظيفة انتخابية خاصة به خولها اياه الدستور.

لم يدر سجال الاقطاب الدستوريين الاربعة على ابواب انتخابات رئاسية او في خضمها، بل في دراسات وابحاث مستقلة في الدستور اللبناني. مع ذلك، رغم تمسكه بوجهة نظره القائلة بنصاب الغالبية المطلقة في جلسة الانتخاب حضوراً، لم يتردد انور الخطيب في ان يضيء على فجوة خطيرة في المادة نفسها.

 

حينما افترض انور الخطيب عام 1970 يوماً مآل الاقتراع بـ40 ورقة بيضاء

 

في الجزء الثاني في كتابه «دستور لبنان» الصادر عام 1970 – دونما ان يتوقع ما سيحدث بعد اكثر من نصف قرن ولا حتماً كان سيتوقع مَن سيخلف رعيله – يقول الآتي: «في ضوء هذا النص (نصاب الاكثرية المطلقة) قد يحصل امر مستغرب اشد الاستغراب. لو فرضنا ان 50 نائباً حضروا الجلسة فإن النصاب قانوني ويُشرع في عملية الاقتراع. لكن لنفترض ان 40 نائباً وضعوا اوراقاً بيضاً، فيبقى لحسبان الغالبية عشرة اصوات فقط (كون الاوراق البيض لا تدخل في احتساب غالبية اصوات الفوز). فالثلثان في الدورة الاولى اي سبعة اصوات تكفي لانتخاب رئيس للجمهورية، وهذا امر غريب. والغالبية المطلقة اي ستة اصوات تكفي في الدورة الثانية. وهذا امر اكثر غرابة. صحيح ان الامر مستبعد الوقوع، لكن اصول التشريع تستلزم افتراض وقوعه في حالات استثنائية وتدارك هذا الامر بنص سليم (…) لا بد في رأينا من تعديل هذا النص ليأتي منسجماً مع المنطق والمعقول لاسيما في هذا الامر الخطير» (ص: 109 و110).

 

ما ليس في حسبان انور الخطيب آنذاك ابصار ما صار حقيقة في هذا الاوان، ان تسقط في صندوقة الاقتراع اكثر من 40 ورقة بيضاء غير محسوبة، وفي المرة الاولى في 29 ايلول 63 ورقة بيضاء.

مع ان السجال الدستوري التاريخي هذا متناولاً المادة 49 كان في حقبة ما قبل اتفاق الطائف، بيد ان فقرة آلية انتخاب الرئيس لا تزال نفسها. مذذاك، سواء عُدَّ انتخاب الرؤساء المتعاقبين تبعاً للنص المختلف احياناً على تأويله، او اخذاً بعُرف يُفسِّر النص كي يأتي انتخاب رئيس الجمهورية بأوسع تأييد وطني، الا ان التطبيق المستدام للمادة 49 – العصية الفهم كما المواد 73 و74 و75 على الاجيال البرلمانية الوليدة على الاقل في الاستحقاق الحالي – أضحى النص الحقيقي الذي سينتهي مآل البرلمان الحالي، كما برلمان 2005 في استحقاق 2007 – 2008، الى التسليم به. لحظتذاك تبدأ اولى عتبات سنّ الرشد.

الرئيس حسين الحسيني، المُفتقد حضوره في مؤتمر الطائف في الذكرى الـ33 والمُفتقد اكثر حضوره في مجلس النواب، بات للمادة 49 عنده مغزى مختلف. للمرّة الاولى في اتفاق الطائف عُدّلت على نحو اساسي منذ عام 1926، رغم تعديلين عابرين لم يمسّا جوهرها عامي 1927 و1929، باضافة فقرة اساسية اليها اقترحها الحسيني وادخلها بنفسه في رأس المادة في مسودة الاتفاق التي ناقشها مع البطريرك الماروني الراحل مارنصرالله بطرس صفير ثم ناقشها النواب اللبنانيون في مدينة الطائف.

 

يقول الحسيني: «حتماً نصاب الثلثين هو نصاب انعقاد جلسة انتخاب رئيس الجمهورية في كل الدورات. ثبات هذا النصاب ناجم عن الفقرة الاولى المحدثة في المادة 49 عندما تتحدث عن رئيس الجمهورية على انه رئيس الدولة ورمز وحدة الوطن يسهر على احترام الدستور، فلا يصح عندئذ انتخابه الا في حضور ثلثي مجلس النواب على الاقل».

يضيف ان المادة 49 الجديدة المعدلة لدى مناقشتها «لم تلقَ اي اعتراض واول تطبيق لها كان في انتخابنا الرئيس رينه معوض، قبل ادماجنا اصلاحات وثيقة الوفاق الوطني في الدستور بعد سنة من اقرارها. انتخبنا الرئيس معوض عملاً بالمادة 49 الجديدة بفقرتها الاولى الناصة على الدور الجديد لرئيس الجمهورية على انه رئيس الدولة الذي يؤمن استمرارية الكيان والمحافظة على النظام. انتخب في ظل غالبية ثلثي المجلس حضوراً رغم تناقص عدد نوابه الى 73 نائباً واصبح نصاب الثلثين آنذاك 49 نائباً. كذلك فعلنا في انتخاب الرئيس الياس هراوي. انتخاب الرئيس في حضور ثلثي المجلس هو المعبّر الفعلي عن الدور الجديد لرئيس الجمهورية ان يكون في موقع سامٍ يمكنه من رد اي فئة عن الاخلال بالدستور والقانون. لم نُرِد في المادة 49 انخراط رئيس الجمهورية في اي موقع سوى انه الحكم بين الجميع، لا ان يتدخل يوماً في تعيين نواطير الاحراج».

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى