كتب طارق ترشيشي في الجمهورية:
في وقت ليس ببعيد وقبل نهاية السنة سيكون للجمهورية اللبنانية رئيسها، لأنّ البلاد بواقعها المذري الحالي هي غير ما كانت عليه عشية الاستحقاق الرئاسي عام 2016، ولا تتحمل اطالة واستطالة في عمر الفراغ الرئاسي الذي كان رئيس مجلس النواب نبيه بري قد توقّع أخيراً ان لا يستمر اكثر من اسابيع، ما يعني ان الفراغ لن يمتد الى السنة الجديدة.
بَدا انّ جلسات الخميس الرئاسية تعكس «ستاتيكو» معيناً لا يمكن لأحد خرقه، ومن الثابت بعد الجلسة السابعة الاخيرة ان لا احد يستطيع خرق هذا الستاتيكو على الاطلاق.
فمن جهة اولى ان الفريق الذي اجتمع حول المرشح ميشال معوض تبين انه رغم اجتماعه القسري حول هذا الاسم عاجِز عن بلوغ الرقم الذي حاز عليه رئيس حزب «القوات اللبنانية» الدكتور سمير جعجع في الانتخابات الرئاسية عام 2016، وقد بدأ التهكّم على أداء معوض بعد كل جلسة نيابية انتخابية رئاسية خصوصا حول عمليته الحسابية التي لا تخلو من تعداد غياب النواب الذي لم يحضروا الجلسة وقوله انهم كانوا سيصوّتون له، علما انه ما ان يقنع نائبين او اكثر بالاقتراع له حتى يفاجأ بخسارة مثلهم وكأنّ هناك من يدفع لإبقاء المصوتين له ضمن العدد الذي يناله في جلسة بزيادة نائب من هنا ونقصان آخر من هناك.
على انّ ما من احد يعترض على ان معوض هو مرشح المنظومة السياسية في الشق المتعلّق بالمصارف، وما من احد يعترض ايضا على انه مرشح غير سيادي نظراً الى علاقاته المتقدمة مع الولايات المتحدة الاميركية وكمية المساعدات الهائلة التي تأتيه منها عند كل استحقاق، وبالتالي ان القول انه مرشح اصلاحي وسيادي هو في غير محله، لأنه جزء من المنظومة المصرفية وحليف للولايات المتحدة الاميركية ويعكس سياستها في لبنان.
وفي هذا السياق يقول البعض ممّن لا يؤيدون ترشيحه إن مأزقه ايضاً يكمن في انّ هذا الترشيح قد انطلق من معراب ما وضعَ عليه «فيتو» من جانب المكّون السني والمكّون التغييري، او قسم منه، من دون ان ننسى ان بعض الكتل النيابية والشخصيات المسيحية التي تؤيده لا تحبّذ الاستمرار في ترشيحه للسبب عينه. كما ان القوى التغييرية عموماً وعلى رغم تشرذمها، ترى في معوض جزءاً من المنظومة كونه كان متحالفاً مع سوريا ايام الوجود السوري عندما كانت والدته تتصدر نتائج الانتخابات في دائرة محافظة الشمال، كما انه ايضاً كان جزءاً من «لقاء قرنة شهوان» الذي تحالف فيما بعد مع تيار»المستقبل» والحزب التقدمي الاشتراكي وحزب الكتائب ودخل الجميع معاً في حكومات الرئيسين فؤاد السنيورة وسعد الحريري، ومن ثم تحالف مع «التيار الوطني الحر» وكان جزءاً من كتلته التي غطّت أداء عهد الرئيس ميشال عون قبل ان يتقدم باستقالته من النيابة بعد انفجار مرفأ بيروت في 4 آب 2020 ليعود ويتحالف مع المنظومة المتمثلة بالحزب التقدمي الاشتراكي وحلفائه الذين رشحوه للانتخابات الرئاسية.
امّا من جهة ثانية فلا يتبين ان هنالك حماسة خارجية لترشيح معوض لا سيما من جانب المملكة العربية السعودية لأنه لا يشكل مشروعاً حقيقياً للخارج، بل يعتبرونه جسر عبور للوصول الى مرشح معين، او التفاهم مع الفريق الآخر على اسم معين، وهذا ما يدركه معوض شخصيا ولكنه لا يعترف به بل يصرّ على الدخول الى كل جلسة انتخابية تحت اضواء الكاميرات وسماع اسمه عند فرز الاصوات ليخرج بعد ذلك لِعَقد مؤتمر صحافي «على الواقف» تفوق مدته المدة التي استغرقتها الجلسة، ويأتي مضمون كلامه غير مختلف عن مضمون كلامه في مؤتمراته الصحافية اثر الجلسات الانتخابية السابقة.
وفي ضوء هذا الواقع يطرح مراقبون ومتتبعون لمجريات الاستحقاق الرئاسي فكرة على معوض ان يعقد مؤتمرا صحافيا يوم الاربعاء قبل جلسة الانتخاب بيوم واحد ويعلن سحب ترشيحه وينأى بنفسه عن هذه «المهزلة»، بحسب تعبير النائب نديم الجميّل إثر الجلسة الاخيرة، ويقول: «شكراً لكل من دعمني وانا أصبحتُ مرشحاً رئاسياً ولا يمكنني زيادة نسبة التأييد النيابي لترشيحي، وهذا هو سقف التأييد الذي حصلت عليه». وإلّا سيأتي يوم وتتركه الكتل المؤيدة له على قارعة التسويات التي ستأتي بمرشح آخر يشبه المرحلة ويشكل جسر عبور بين اللبنانيين ولديه القدرة على حماية «اتفاق الطائف» والمقاومة في آن معاً ضمن استراتيجية دفاعية موضوعية.
اما في المقلب الآخر فإن «الثنائي الشيعي» يُظهر تأييداً واضحاً لترشيح رئيس تيار «المردة» سليمان فرنجية، في اعتبار انه مرشح قادر على كسب تأييد بعض الكتل الاخرى لإيمانها بأنه هو رجل حوار ويمكن الاتفاق معه على قواسم مشتركة تضمن خصوصياتها الحزبية والمناطقية حتى ولو كابَر «التيار الوطني الحر» على تأييد فرنجية الذي كان الامين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله قد تطرّق الى موضوع ترشيحه مع رئيس «التيار» النائب جبران باسيل، الذي سارعَ بعد اللقاء الى رفع منسوب تصعيده ضد فرنجية ضارباً عرض الحائط اهمية العلاقة الاستراتيجية بينه وبين «حزب الله»!
يبقى ان تشهد الايام المقبلة خرقاً كبيراً في الاستحقاق الرئاسي بتغطية خارجية بتأييد ترشيح فرنجية وتخطّي عتبة الاكثرية المطلقة (65 صوتاً) التي من شأنها ان تمهّد في الدورات اللاحقة لتأمين نصاب اكثرية الثلثين (أي 86 صوتاً) بهدف انتخابه، ويقول البعض في هذا السياق انّ الكلام عن ارتفاع اسهم قائد الجيش العماد جوزف عون ليس سوى حملة اعلامية مُمنهجة مستندة الى بعض المواقف التي تقول بعدم وضع الحزب «فيتو» عليه، لأن «حزب الله» تقليداً لا يضع «فيتو» على أحد وانما يدعم شخصية معينة، ويكون مقتنعاً بمواصفاتها لتولّي رئاسة الجمهورية. علماً ان ما يعزّز التوقعات بحصول الخرق المنتظر على الجبهة الرئاسية كان طلب مسؤول كبير ورئيس كتلة نيابية من اعضاء هذه الكتلة عدم السفر في هذه الفترة الى الخارج حتى ولو ليوم واحد، ما عكسَ وجود حراك ناشط داخلياً وخارجياً يستعجل إنجاز الاستحاق الرئاسي لعله ينزل برداً وسلاماً على لبنان قبل نهاية السنة، ويكون الرئيس الجديد عيدية للبنانيين لمناسبة عيدي الميلاد ورأس السنة.