
كتب د. وسام صافي في الانباء الاكترونية:
في مقاله المنشور في موقع أساس ميديا، حاول نديم قطيش، بأسلوب مكشوف، أن يوظف زيارة مورغان أورتاغوس للبنان وسخريتها السياسية لتصفية حسابات صغيرة مع وليد جنبلاط. وكعادته، تذاكى قطيش وتعامى عن أن وليد جنبلاط لم يصمت أمام تعليق أورتاغوس، بل ردّ عليها مباشرة على منصة “إكس” بإشارتين عميقتين: رواية The Ugly American، التي فضحت في عام ١٩٥٨ عقم الدبلوماسية الأميركية في فهم الشعوب، ولوحة الموت والجندي لهانز لاروين عام ١٩١٧، التي تظهر جنديًا بائسًا يتربص به الموت، رمزًا لانهيار القوى العظمى حين تفقد روحها. وكأنه يقول: أميركا ليست قدرًا حتميًا، بل قوة ميتة الفكر، يمكن للعقل الحر وإرادة الرجال أن يهزموها.
كان الأحرى بنديم قطيش، لو كان حريصًا حقًا على الموضوعية، أن ينقل كامل المشهد: الموقف الأميركي الساخر، والرد الجنبلاطي العميق، لا أن ينتقي ما يخدم هجومه الشخصي. لكنه، كعادته، لجأ إلى أسلوب الاجتزاء الرخيص والتشويه، في محاولة بائسة للنيل من قامة سياسية يُجمع العارفون بالشأن اللبناني على عمق رؤيتها وذكاء قراءتها الاستراتيجية.
ما تجاهله قطيش أو تعمد تجاهله، هو أن وليد جنبلاط لم يكن يومًا بوقًا لأي مشروع خارجي، بل بقي دائمًا صوتًا وطنيًا حرًّا، ينتقد السياسات الأميركية حين تتعاطى مع لبنان كأنه مزرعة تابعة، بالقدر ذاته الذي تصدى فيه للوصاية السورية، ولأي مشروع إيراني أو غيره يحاول كسر إرادة اللبنانيين.
أما محاولات قطيش لاختزال شخصية وليد جنبلاط بتعليقات تافهة عن كراك وبلاي بوي، فلا تعبر إلا عن أزمة أخلاقية وإعلامية مستفحلة: أزمة العجز عن مواجهة المواقف بالحجة، والهروب إلى شخصنة الصراع والسخرية الرخيصة.
ولعل المثير للسخرية فعلاً، أن قطيش، في محاولته تلميع خطاب أورتاغوس، يتعامى عن أن الجيل اللبناني الواعي، الذي يدّعي مخاطبته، هو نفسه الذي يرى في هذا الخطاب الأميركي استعلاءً أجوف مغلفًا بالابتذال. شباب لبنان يريدون الحرية والسيادة، لا سخرية ممجوجة فوق ركام الأوطان.
للتذكير فقط، لمن خانته الذاكرة أو اختار خيانتها:
وليد جنبلاط هو الذي نادى بالعيش المشترك يوم عزّ المنادون، وهو الذي دعا للحوار حين كان التصعيد سيد الساحة، وهو الذي حذر مبكرًا من الانجرار الأعمى خلف محاور الموت الإقليمي. إنه الزعيم الذي أبقى شعلة الحرية مضاءة في أحلك اللحظات، ولم يساوم يومًا على كرامة لبنان.
باختصار: من أراد أن يقرأ المشهد اللبناني بعمق، فليقرأ تغريدة وليد جنبلاط كاملة، ومعها الرمز الذي حمله في الرواية والصورة، بدلاً من أن يكتفي بترداد صدى سخافات عابرة.
أما من جعل من قلمه أداة تصفية رخيصة، فسيبقى عالقًا في هامش التاريخ، بينما الكبار يصنعون صفحاته بأقلام الأحرار، لا بأقلام المأجورين.