سلايداتمقالات

خيارات ثلاثة لرئاسة مؤجلة

كتب عمار نعمة في اللواء:

في المُجمل، لم يقدم الكلام الأخير لرئيس تكتل “التغيير والإصلاح” جبران باسيل في مقابلته التلفزيونية، الجديد على صعيد المعركة الرئاسية مع تسجيل تصلب في المضمون وتلويح بما هو أكثر من الخلاف مع “حزب الله” بما يعود بالعلاقة الى ما قبل وثيقة التفاهم، مع غزل بالأمين العام للحزب السيد حسن نصر الله وتحييده “عاطفياً” عن الخلاف حول موضوع الرئاسة.

 

على هذا الصعيد، تستقر المعركة في الوقت الحالي على احتمالات رئاسية ثلاث:

 

أولاها، مسعى ثنائي “حزب الله” وحركة “أمل” لتسويق زعيم “تيار المردة” سليمان فرنجية والترويج لتقدمه في السباق وإسباغ صفة “التوافق” عليه كونه يشكل رمز اعتدال مقارنة بباسيل بينما يُعد فيه على يمين رئيس التيار في حلفه مع “المحور”.

 

ثانيها، خيار قائد الجيش العماد جوزف عون الذي يبدو أكثر تقدما من خيار فرنجية، لكنه، وهو الحاصل على تقاطعات دولية وإقليمية، مفتقِد لموافقة “حزب الله” الذي يضع بعض التحفظات عليه من دون الوصول الى “الفيتو”.

 

ثالثها، خيار صعب يقوده باسيل لترويج شخصية من خارج خياري فرنجية وعون، ويحضر هنا اسم الوزير السابق زياد بارود أولاً متقدماً على أسماء أخرى. لكنه أكثر الخيارات تعقيداً في اللحظة السياسية الحالية بغض النظر عن الإسم الذي يُروَّج له. وتشير التقديرات إلى ان رئيس التيار الحر سيمضي يوماً ما بالخيار الثاني لكن وفق رزمة تسوية كاملة مع باسيل ومع الرئيس ميشال عون.

 

ثمة ثابتة هنا بأن أي اسم لا يحصل على موافقة “حزب الله” لن يكون في مقدوره الوصول الى الرئاسة من ناحية المبدأ والظرف الواقعي الحالي أولاً، ثم لناحية توزع الخريطة النيابية ثانياً.

 

ومثلما يحتفظ الحزب بحق الفيتو على من يعارضه، ونتيجة تعدل موازين القوى في البلاد، خاصة في ظل الكارثة المعيشية الحالية وبعد انتفاضة 17 تشرين وبعدها مأساة المرفأ وهي العوامل التي أفرزت التوزع النيابي الجديد، فإن الواقع الجديد يمنح القوى المناهضة للحزب على رأسها “القوات اللبنانية” حق الفيتو أيضا على أي مرشح يسعى له “حزب الله”.

 

ad

لكن هذا لا يمنع الحزب اليوم من الاستمرار في معركة فرنجية من دون الرغبة حتى بالحديث عن مرشح آخر. هو يريد شراء الوقت والجميع يعلم بأن الحزب بارع في كسب الزمن حتى يدب التعب في أخصامه أو الانقسام.. أو حتى تأتي المتغيرات الدولية والإقليمية بما هو جديد وسط غموضها اليوم.

 

لكن المفارقة اليوم ومفاجأتها أن العقبة في وجه الحزب جاءت من حليفه باسيل الذي لم يُظهر في مقابلته أمس الأول أي رغبة بالتنازل، لا بل ان رفع السقف عن عمد سيصعب الامور ليس فقط على الحزب ومحوره، بل ايضا على باسيل الذي لن يكون في مقدوره التراجع.

 

هنا بالذات يكمن سبب انزعاج الحزب من باسيل الذي كان على دراية ودراسة بسياسة الحزب في كسب الوقت فسارع الى تصعيد الأمور و”حشر” الحزب في زاوية مواجهة الخيار المسيحي في الرئاسة كون فرنجية يفتقد للشرعية المسيحية الرئاسية.

 

على ان باسيل المُشيد بصدق “السيد” والمُذكر به والذي وعده الأمين العام لـ”حزب الله” برفض اي خيار لا يوافق رئيس “التيار الوطني الحر” عليه، سيحرج بذلك نصر الله “الذي لا يخلف الوعد”.

 

ذلك يخرج معركة الرئاسة من يد الحزب كونها باتت مسيحية صافية، ويجعلها في أيدي القادة المسيحيين الكبار برعاية الكنيسة المارونية، وضمنهم طبعا زعيم “القوات اللبنانية” سمير جعجع.

 

ويخطىء البعض إذا ما رهن موقف جعجع براعٍ إقليمي خارجي كالسعودية، فهو ومعه قادة من القوات رفعوا السقف بدورهم برفض أي مرشح لـ”حزب الله”. بكلام آخر فإن حظوظ فرنجية في الرئاسة ضعيفة، حتى لو طُلب الامر خارجيا لا سيما إذا عدنا إلى موقف جعجع الشهير الرافض للخيار الاميركي السوري في العام 1988 تحت شعار “مخايل الضاهر أو الفوضى”، وهو نجح في منع انتخاب الضاهر بقوته على الارض وأفشل (مع غيره) نصاب الجلسة الرئاسية حينها، ولا يوجد ما يرجح عدم إعادته الكرة اليوم.. إضافة إلى مواقف أخرى للرجل مع رسوّ تسوية الطائف دفع ثمنها بعد تمرده على الإرادة الدولية الإقليمية.

 

ad

بذلك فمن ضمن الخيارات الرئاسية الثلاثة سابقة الذكر يبدو الخيار الثاني الأكثر تقدماً، خاصة أنها مرحلة بناء للدول في المنطقة ولمؤسساتها العسكرية والأمنية. كما أن قائد الجيش المُتحفَّظ عليه من “حزب الله”، على تنسيق كبير معه في مسائل هامة مثل العلاقة مع القوات الدولية في الجنوب، ناهيك عن التنسيق في مناطق نفوذ الحزب مثل الضاحية الجنوبية كما في أمور أخرى.

 

لكن يجب التأكيد بأن الانفراج الرئاسي ليس ناضجاً ولن يحصل في الأشهر الحالية، وبات على اللبنانيين الانتظار الى ما بعد الربيع المقبل وسط سعي حالي لإنضاج التسوية الكبرى الخارجية التي ستُسقط نفسها تلقائياً على الداخل. وثمة تفاؤل بإغلاق بعض الملفات الكبرى وتحقيق خرق على الصعيد الأميركي – الإيراني كما في مناطق كالعراق ولبنان كانت إرهاصاتها ظهرت في ختم الترسيم البحري بسلام..

 

في الأثناء سيكون الحوار بين اللبنانيين ضرورياً سواء لبى أركان السياسة دعوة رئيس مجلس النواب نبيه بري أو غيره وسيظهر القادة الموارنة كالمعطلين لاستحقاق الرئاسة في حال رفضهم له وسط مزايدات مستمرة بينهم. وهو حوار لا يؤمل منه اختيار الرئيس بقدر تهدئة الأمور وشراء الوقت ريثما يظهر الضوء الأخضر الخارجي للرئاسة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى