سلايداتمقالات

عدوى الإرتكاب.. من “المنظومة” إلى النواب

كتب بشارة شربل في إفتتاحية نداء الوطن:

سيبدو الكلام مكرَّراً. الناس في أوج المعاناة، والعائلات التي كانت مستورة باتت في عوز الى فتات غذاء أو علبة دواء. لكن كما لكل نظرة جاذبة أو لمسة حانية مذاق، كذلك لكل غصَّة طعم ولكل مأساة جرحٌ خاص، ومن المخجل أن نتعود القهر والإملاق فيما الجناة في أحسن حال.

 

لن يستسلم اللبنانيون. هذا ليس قدراً ولا ابتلاءً هبط من السماء. ما هُم فيه صنيعة أشخاص وأطراف وأحزاب، لهم أسماء وعناوين وقادة ومحازبون وأتباع مسيَّرون وميليشيات مسلحة، ولديهم أولاد يتمتعون بنفوذِ وسرقات الآباء، يقيمون الحفلات الباذخة، ويطوِّرون في الداخل أو الخارج “أصولاً” لا عرق جبين في أصلها، ولا نجمت عن علم أو جُهد حلال.

 

لا يُلام الناس على الاستكانة التي يعيشونها مُرغَمين. حاولوا تكراراً خلال العقد الأخير. نزلوا الى الشارع في 2015، وتوَّجوا اعتراضاتهم بثورة 17 تشرين. عرفوا خصومهم ودلُّوا إليهم. إنها “المنظومة” التي حكمت ثلاثين عاماً، رؤساء وحكومات ومجالس نواب ومصارف ومصرف مركزي وضباط وقضاة ورجال أعمال فاجرون وكل من تَشارك مع مافيا التربح متربعاً في موقع سلطة فاسداً ومفسداً أو ساكتاً عن هدر أو متلكئاً في واجب. ثم تعرَّفوا الى قامعيهم ومجهضي آمالهم، ورأس الحربة على رؤوس الأشهاد هو “الثنائي الشيعي”، وكأن الحفاظ على القرار الاستراتيجي الممانع ومصالح محور ايران لا يستقيم بلا فساد عميم وحماية المرتكبين وإفقار عموم اللبنانيين.

 

نسمِّي الأمور بآخر أسمائها. وصفُ الثورة ومسارها وأسباب تشتتها ثم اندثارها حبَّرته اقلامُ زملاء وكتاب بالتفاصيل. لا أسْود أو أبيض بالتأكيد، لكن يتوجب إبراز أهم العناوين كي لا تختلط الأسباب بالنتائج وتتحول التفاصيل الى مشجب يعلق عليه محترفو التضليل وانتهازيو الثورات والانتفاضات كل الإخفاقات التي رافقت محاولات التغيير، ومن بينها الانتخابات التي أفضت الى استنتاج مزدوج: نصف الشعب مُغرمٌ بجلَّاديه، والنصف الآخر لن يخرج من الإحباط إلا بإحياء الأمل بدولة “الطائف” والقانون، أو بانتزاع صيغة عقد اجتماعي جديد تحرر الراغبين بضوء الحياة والازدهار من ربقة الدافعين نحو الظلمة والانهيار.

 

“قيمةُ عملتنا من قيمة حكَّامنا”. هكذا كَتب على مواقع التواصل ضابط طيار متقاعد خدم الدولة بإخلاص قبل أن تُدخله “المنظومة” المعاناة. هذا تعميمٌ واجب التخصيص. قيمة عملتنا اليوم من قيمة نوابنا المعرقلين انتخاب رئيس بالتعطيل وإفقاد النصاب والتوافه والأوراق البيض. هم تحديداً كأفراد، قبل أن يكونوا أتباع كتل وأحزاب، يفتقدون الحد الأدنى من الأهلية كونهم يخونون النظام الديموقراطي وأمانة التمثيل ويأخذون الناس رهائن تبعيتهم وامحاء شخصيتهم أمام أهداف مشغليهم. فبئس نوابٍ “سيّدُ نفسه” يُقْرِئْهم السلام. لا تهمهم مصلحة لبنان ولا يهزُّهم نشيج والدة تبحث عن حليب ارتفع سعره، أو أنين عائلة تكافح من تحت خط الفقر لاتقاء الصقيع.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى