كتب عماد مرمل في الجمهورية:
يقترب العام الحالي من نهايته غير السعيدة وسط تفاقم المؤشرات القاتمة على أكثر من صعيد، فيما يستبعد المطلعون ان يحمل مطلع السنة المقبلة إيجابيات نوعية تسمح بانتخاب رئيس الجمهورية خلال وقت قريب، ولكن هذا التشاؤم لم يمنع وليد جنبلاط من ان يحمل “الإبرة” ويجرّب الحفر في “جبل” التعقيدات المتراكمة.
بَدت الحركة السياسية لرئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط لافتة أخيراً، إذ وخلال أيام قليلة اجتمع مع رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل والمرشح الرئاسي النائب ميشال معوض، فيما كان موفده عضو اللقاء الديموقراطي النائب وائل ابو فاعور يتنقّل بين معراب وعين التينة حيث التقى رئيس المجلس النيابي نبيه بري ورئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع.
وقد أتى حراك جنبلاط ليملأ بعضاً من الوقت الضائع والفراغ الرئاسي في المرحلة الفاصلة بين عامين، مع معرفته المسبقة بأنّ الدروب الى قصر بعبدا لا تزال مقفلة بسواتر مرتفعة، وانّ فتحها يحتاج إلى “جرافات” سياسية لم تصبح في الخدمة بعد.
الا انّ جنبلاط يوحي بأن شرف المحاولة يظلّ افضل من الاستسلام للأمر الواقع، علماً ان الأزمة المتشعّبة تبدو اكثر تعقيدا من أي مسعى محلي مَحض، وهذا ما دفع البعض الى التعويل على انتظار “هبّة رئاسية” من “الدول المانِحة” والكَف عن تعليق الآمال الواهية على “الصناعة الوطنية”، في حين انّ هناك مَن يصرّ على أنّ الداخل يستطيع أن يكون مُقرراً في الملف الرئاسي، وليس مُتلقياً فقط، اذا تحملت قواه السياسية مسؤولياتها.
والى حين انقشاع الرؤية، كان اللقاء الذي جمعَ جنبلاط الى باسيل في منزل بيار الضاهر العلامة الفارقة الأبرز في ظل الانسداد الداخلي والخصومة المعروفة بين الجانبين، وقد خضعَ هذا الاجتماع الى تفسيرات مُتضاربة في “السوق السوداء” السياسية، خصوصاً انّ طرفيه ومضيفهما أحاطوه بالتكتم الذي أفسح المجال أمام ارتفاع اسهم الاجتهادات المتباينة.
ولم يكن اللقاء مُستساغاً عند بعض “المتحمسين” لدى الفريقين، في اعتباره أتى عكس التيار ومُخالفاً لـ”التعبئة” المتبادلة، وهو الأمر الذي كشفته تعليقات متفرقة على مواقع التواصل الاجتماعي.
لكنّ اوساط الحزب التقدمي الاشتراكي تلفت الى انّ لدى جنبلاط الجرأة الكافية لمحاورة من يختلف وإيّاهم استناداً الى ثوابته، “وكما امتلك قبلاً شجاعة التحاور مع “حزب الله”، الأمر الذي عَرّضه لانتقادات من خصوم الحزب، امتلك اليوم الشجاعة نفسها للجلوس مع باسيل بعد تقدير الموقف، لأنّ المأزق الحالي لا يُعالج الا بمحاولة التوصّل الى تفاهمات تسمح بملء الشغور في قصر بعبدا”.
وتشير الى انّ “حركة جنبلاط، ومن ضمنها اجتماعه بباسيل، تندرج في سياق دعوته المستمرة الى الحوار للبحث عن حلول. وبالتالي، فهو كان مُنسجماً مع نفسه وترجَم قوله الى فعل سعياً الى كسر الحلقة المفرغة التي يدور فيها البلد، وإيجاد خرق إيجابي في مكان ما، من دون إنكار صعوبة المهمة”.
وتتساءل الاوساط: اي قيمة للدعوة الى الحوار ما لم يتم تسييلها عبر الانفتاح على الجميع بلا استثناء، بدءاً من الخصوم؟
واذا كان هناك من أدرَجَ جلسة جنبلاط – باسيل في سياق مسعى الأول إلى التمديد لرئيس الأركان في الجيش اللواء الركن أمين العرم، فإنّ الاوساط الاشتراكية تنفي ذلك بالكامل وتؤكد ان هذا الأمر لم يُبحث بين الرجلين، موضحة انّ قيادة الجيش كرّمت العرم لمناسبة تقاعده قبل يومين من انعقاد اللقاء “وبالتالي لم يكن يوجد معنى لطرح هذه المسألة”.
وتشدّد الأوساط على أنّ الحوار مساره طويل ومردوده ليس فورياً ولا مضموناً، “ولكن ذلك لا يمنع انّ علينا كلبنانيين ان نؤدي واجبنا ودورنا في التفتيش عن مخارج من النفق الحالي بدل الاكتفاء بانتظار الخارج”.