سلايدات

“الحزب” لا يريد إلقاء السلاح… ولا مجال للمقارنة!

كتب ريشار حرفوش في نداء الوطن:
منذ انتهاء الحرب اللبنانية، شكّلت “القوّات اللبنانية” نموذجاً مسؤولاً في التعامل مع لحظة التحوّل الكبرى التي بشّر بها اتفاق الطائف. ففي محطة مفصلية من تاريخ لبنان، كان قرار “القوّات” واضحاً: ألقت السلاح، وانخرطت في العمل السياسي، وسعت إلى قيام الدولة، حاملةً معها قناعة راسخة بأن لبنان لا يُبنى إلا على قاعدة احتكار الدولة وحدها للسلاح. فبين عام 1990 و 1991، أنهت “القوّات اللبنانية” دورها العسكري، وكانت قد سلّمت كامل سلاحها، وأعطت فرصة حقيقية لقيام دولة القانون والمؤسسات.

هذه الخطوة الجريئة لم تكن سهلة، بل جاءت في أكثر اللحظات حساسية وتعقيداً، في وقتٍ كانت فيه سوريا تتربّص باتفاق الطائف لتُفرغه من مضمونه، وتفرض نسخة منه على قياس مصالحها. ومع ذلك، دخلت “القوّات” مسار السلم بقناعة كاملة بهدف بناء الدولة، لكنها اصطدمت بآلة الاحتلال السوري: حلّ الحزب، واغتيالات متتالية لكوادرها، واعتقال قائدها سمير جعجع بقرار سياسي صنعته دمشق آنذاك.

لكن اليوم، وبعد أكثر من ستة أشهر على توقيع لبنان اتفاق وقف الأعمال العدائية مع إسرائيل في تشرين الثاني 2024، الذي وافق عليه “حزب الله” من خلال وزرائه في الحكومة السابقة، لا يزال “الحزب” يرفض الانسحاب من منطق الحرب، ويكابر على حقيقة واضحة: أن زمن الميليشيا انتهى. فالاتفاق ينصّ بوضوح على تفكيك البنية العسكرية لـ “حزب الله” في كل لبنان، لا في الجنوب فقط.

ومع ذلك، يستمر “الحزب” في ممارساته: رفض تسليم السلاح، واستعراضات إعلامية ودعائية، وشعارات من نوع “المقاومة مستمرة”، وكأن لبنان لا يعيش تحت القصف ولا في قلب الانهيار.

يحلو لبعض أهل السياسة والصحافة أن يروّجوا لمقارنة بين ما جرى مع “القوّات اللبنانية” وما يجري اليوم مع “حزب الله”. لكن من يقوم بذلك يرتكب مغالطة فاضحة بحقّ التاريخ والسيادة والمنطق.

فـ “القوّات” دخلت اتفاق الطائف، ومنذ اللحظة الأولى أعلنت نيّتها تسليم السلاح، لكنها لم تسلّم القرار السيادي، بل استُهدفت لأنها رفضت أن تكون غطاءً للاحتلال السوري. أما “حزب الله”، فيوقّع اتفاقات لوقف القتال، لكنه في المقابل يُعدّ العدّة للانقلاب عليها، ويعامل الدولة كأنها مجرد ملحق لقراراته.

مع العلم أن “حزب الله” كان يُفترض به، تحديداً، أن يقوم بما قامت به “القوّات” وسائر الميليشيات مع نهاية الحرب اللبنانية، لكنه لم يفعل، بعدما وفّر له نظام الأسد وإيران كل مقوّمات البقاء والهيمنة، ضاربَين عرض الحائط جوهر اتفاق الطائف… أمام هذا المشهد، لا مجال للمقارنة.

فهل يُعقل أن يُترك “حزب الله”، أيّاً كانت حالته، يُفجّر لبنان من جديد، ويستدرج الحروب، ويقرّر وحده مصير دولة بأكملها، تحت عنوان “مكوّن مجروح”، وعلى حساب جراح كل المكوّنات الأخرى؟

في النهاية، من أراد دولة، سلّم السلاح.

ومن أراد الحرب، تمسّك به.

وبين من اختار بناء الجمهورية بكل قناعة وبعيداً عن المراوغة وكسب الوقت على حساب مصلحة لبنان آنذاك، ومن يصرّ اليوم على إعادة لبنان إلى خط النار ويراوغ باسم “مظلوميّة” جديدة مراهناً على تبدّلات معيّنة ولّى عليها الزمن، تسقط كل المقارنات…

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى