سلايداتمقالات

صونيا بيروتي أطفأت سيجارتها ورحلت

كتبت: كفا عبد الصمد

صباح الخير.. مدام صونيا انا وصلت..

يا اهلا اطلعي على آخر طابق انا بحب المطارح العالية..

بهذه الحفاوة استقبلتني، كأني صديقة ايام الصبا، او زميلة دراسة، فتحت لي الباب بنفسها، وبصوتها الجرش وسيجارتها التي لم تنطفىء وابتسامتها الساحرة، انتظرت وصولي على باب منزلها، ولم ترض بسلام عادي، ضمتني واشعرتني بحفاوة اللقاء منذ اول “الو” بيننا..

صونيا بيروتي لمن عرفها او تعرف عليها، من رعيل العمالقة الذي أمن الله علينا بوجودهم ليخلقوا لهذا الوطن هوية، ويضعوا باسلوبهم وثقافتهم ومعارفهم التي لا تنضب، دستور العمل الاعلامي وقوانيه التي لا بد من احترامها مهما تنوع شكل العمل الاعلامي او دخل عالم الرقمنة والسوشيل ميديا.

هادئة، متواضعة، ذكية وحريصة على ادق التفاصيل.. تمنح من يقف امامها الثقة كل الثقة، ما ان تعبر باب منزلها حتى تشعرك بانك اصبحت جزء من هذا المنزل وليس مجرد ضيف.. عندما اتفقنا على موضوع الحلقة التي اردت تحضيرها معها، قلت بصوت فيه من الغنج والدلال الكثير، متى آت لنناقش محاور اللقاء؟؟ غمزتني بابتسامتها المعهودة وكأنها تقول في صمتها انها فهمت الاشارة، علمت اني لم اكتف من جلسة واحدة بل اريد المزيد لارتوي من هذا التاريخ العريق في الصحافة، والذي طالما ادمنت قراءته منذ ايام الجامعة…

تجيبني وهي تطفىء سيجارتها، طبعا يجب ان نناقش محاور اللقاء ساعة تشائين انا جاهزة…

صونيا بيروتي منحت مهنة التقديم ملامح مختلفة حين قدمت نفسها فكرا ومعرفة والقاء وحضورا، لم تجمل انفها ولم تعرض شفاهها ولم تزين شعرها، قدمت ما بداخلها فاحبها الجمهور لثقافتها ومعرفتها وحنكتها في ادارة الحوار وتقديم البرامج.. اخبرتني وهي تضحك على فعلتها، لم تكن تعلم ان ما قامت بها يومها، خلدها في الذاكرة الوطنية، ايقونة نادرة، وجها اعلاميا لا تشوبه الاخطاء، عندما طلب مني المخرج الراحل سيمون اسمر صانع النجوم تقديم برنامج استوديو الفن، محاولا فرض شروطه علي، وقال بصوته الرفيع ونبرته القاسية:صونيا لبسي تياب رسمية لتصوير الحلقة. لم اتمنع لكني حضرت الى الاستوديو ببدلة “سموكي” للرجال مع ربطة عنق وشعر قصير.. ادهشه منظري لكنه تقبلني وانطلقت بهذه الصورة غير النمطية.. لم يجرؤ على رفضها يومها لان حضورها وثقافتها كانت اقوى بكثير من شكلها الخارجي..

صونيا بيروتي اطفات سيجارتها للمرة الاخيرة على ما تبقى من بيروت، لملمت الحلم وعلقت امانيها على جدار من الاحلام ورحلت تاركة خلفها مدينة آمنت بها واحبتها بجنون، وكانت على يقين دائما انها ستستعيد بريقها في يوم ما…

صونيا بيروتي الوجه الذي احببناه والصوت الذي خاطب الاعماق، يجب ان تدرس تجربتك في كليات الاعلام، الاعلامي الناجح ليس مجرد وجه جميل وشعر منسدل على الاكتاف وشفاه منفوخة، الإعلامي الحقيقي هو من ينجح في هز شباك المتلقي بمعرفته واتزانه وحضوره اللافت وثقافته المتواضعة..

لا زلت اشتم عبق لقاءاتنا القليلة، واتذكر كل نصيحة قدمتها لي، صونيا بيروتي فلترقد روحك بسلام وليبقى اسمك في ذاكرة الوطن محفورا…

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى