كتب طوني عيسى في الجمهورية:
فيما آفاق التسويات تبدو مسدودة تماماً منذ بداية العام الجاري، سرت في نهاية الأسبوع الفائت معلومات بين كوادر أحد الأحزاب السياسية الوازنة، عن مَساعٍ لإنتاج تسوية مرحلية للأزمة، تكون بمثابة «اتفاق دوحة» جديد، ويُعمَل لإنجازها في غضون الشهرين أو الثلاثة المقبلة.
المعلومات تتحدث عن اتجاه الى عقد مؤتمر في القاهرة يجمع القوى المحلية الفاعلة، وترعاه الدول الخمس التي يتألف منها لقاء باريس، أي الولايات المتحدة وفرنسا والمملكة العربية السعودية ومصر وقطر. ولكن، يجري التخطيط لإشراك الجانب الإيراني في الاجتماع، للمرة الأولى، في ضوء التقارب الذي تحقق أخيراً بين طهران والرياض.
ويُراد من هذا المؤتمر إنتاج تسوية متكاملة في لبنان، ولكن مرحلية، وتشمل التفاهم على انتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة فاعلة. كما سيتم النقاش في بعض التعقيدات السياسية التي أدت إلى تعثّر عجلة الحكم وفشل إدارة البلد، خصوصاً لجهة إجلاء الغموض الذي يكتنف بعض بنود «اتفاق الطائف» ما جعل تطبيقه صعباً أو مشوَّهاً.
وكذلك، يُفترض أن يعمل المجتمعون على تحريك عجلة المساعدات العربية والدولية، في مقابل التزام لبنان حداً أدنى من الإصلاحات الاقتصادية والمالية والإدارية التي يطالب بها المجتمع الدولي، والتي لم يعد في مقدور قوى السلطة تجاهلها، ما يمكن أن يشكّل استجابة ولو جزئية لمطالب صندوق النقد الدولي.
ووفق المعلومات المتداولة، فإنّ وفد الصندوق حاول في زيارته الأخيرة لبيروت استطلاع الفرص الجديدة لخروج المسؤولين اللبنانيين من نهج اللامبالاة والتجاهل لمطالب الصندوق إلى نهج التجاوب، ولو بالحد الأدنى، ما يسهّل إبرام الاتفاق النهائي بين الصندوق والحكومة اللبنانية. لكن هذا الأمر بَدا عبثياً، ما دفعه إلى إطلاق تحذيره الأعنف. وسيكون الرهان هو إقرار الحد الأدنى من الإصلاحات المطلوبة في المؤتمر المنشود، حيث ستمارس القوى الدولية ضغوطها على أركان السلطة لتحقيق هذه الغاية.
وفي المعلومات أنّ المبادرة في اتجاه مؤتمر القاهرة تلقى دعماً أساسياً من الجانب الإماراتي، كما يشجعها السعوديون. والطرفان يتحركان بنحو حثيث لتوفير أفضل الفرص لهذا المؤتمر. ولذلك، ثمة من يعتقد أنّ هناك حظوظاً جدية لنجاحه.
وفي هذا السياق، يقوم السعوديون بعملية استطلاع تشمل الحلفاء السياسيين في لبنان، بهدف التشاور. كما جاء الاتصال بين الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وولي العهد السعودي محمد بن سلمان، قبل يومين، ليؤكد استمرار العمل بين الطرفين على إيجاد تسوية للأزمة في لبنان، ولو أن الاجتماع السعودي – الفرنسي الذي انعقد أخيراً في باريس، قد أظهر وجود تباين بين الطرفين حول عدد من المسائل، وأوّلها اسم رئيس الجمهورية المقبل وتوجهاته السياسية.
وتحظى القاهرة بفرصة أن تكون مكاناً للمؤتمر الخاص بلبنان، لِما لها من علاقات مع القوى الداخلية، على رغم اختلافاتها السياسية، ومع القوى الإقليمية والدولية المعنية بالملف اللبناني. وهي قادرة على استخدام رصيدها في هذا المجال. كما يحتفظ المصريون بعلاقات جيدة مع دمشق على رغم إخراجها من الجامعة العربية وتدهور علاقاتها مع عدد من الدول العربية في السنوات الأخيرة.
عملياً، سيكون هذا اللقاء بمثابة الخلية التي ستدير الوضع اللبناني في المرحلة المقبلة. ويمكن وصفه بـ»اجتماع باريس +»، و»الزائد» هو طهران التي ستنزل للمرة الأولى إلى الأرض اللبنانية في شكل مكشوف ومباشر، بعدما كانت تشارك من وراء الستارة عبر «حزب الله».
وفي تقدير البعض أن هذه الخلية الإقليمية – الدولية هي التي ستقع عليها رعاية التسويات في لبنان. وفي عبارة أكثر وضوحاً، هي ستحدد أي نوع من الوصاية سينتظر لبنان، خصوصاً في ضوء التحولات الإقليمية – الدولية الجارية، لجهة التقارب بين السعوديين والإيرانيين من جهة، وملامح العودة الوشيكة للعلاقات بين سوريا والعرب.
ويقول المراهنون على «الدوحة الجديدة» إنّ التسوية اللبنانية ستنضج بعد اكتمال التسويات والتفاهمات الجارية بين الخصوم التقليديين في الشرق الأوسط. كما أن انفجار الأزمة اللبنانية جاء نتيجة للتصادم الإقليمي – الدولي. فهل تنعقد فعلاً «دوحة جديدة» في القاهرة، خلال الشهرين أو الثلاثة المقبلة؟
يضيف هؤلاء: «إن موعد 19 أيار المقبل مهم في تطور المناخات السياسية بين مختلف القوى في الشرق الأوسط. فالقمة العربية المقرر انعقادها في الرياض ستكون منصة لسوريا لكي تعود إلى العرب، كما أن العرب من جهتهم ينسّقون الخطى للعودة إليها. وكما جرت العادة، سينتظر لبنان أن يُطبَخ له طبقُ التسوية في الخارج ليأتي إليه جاهزاً، ويُفرض على الجميع.
هل الرهان على التسوية في محلّه؟ كثيرون يعتقدون أن إنضاج هذه التسوية ما زال يحتاج إلى مزيد من الوقت، وسيست هلك مزيداً من الانهيارات، حتى يتعب الجميع ويستسلموا للآتي.