سلايداتمقالات

تثبيت “وحدة الجبهات”.. ومحاولة إسرائيلية لتخريب الإتفاق السعودي-الإيراني؟

كتب منير الربيع في المدن:

كلام كثير يمكن أن يقال في التطورات التي حصلت جنوبي لبنان. وصمت أكبر يمكن الإلتزام به أيضاً، لجهة عدم الإفراط في التسرّع أو الحماسة. فما جرى سبقه ما يشبهه. في الكلام، تحليلات متعددة، بعضها ضيق وآخرها واسع، يبدأ مداه من الزواريب اللبنانية الداخلية ولا يقف عند حدود بكين. ولكن في العودة إلى المقاربة الهادئة لما جرى، ترتسم ملامح واضحة بالنسبة إلى حزب الله وقوى المقاومة، وهي إعادة تثبيت قواعد الاشتباك. عدم السماح لإسرائيل باستباحة الأجواء السورية وتنفيذ ضربات تستهدف مواقع إيرانية، وتؤدي إلى سقوط ضحايا، من دون ردّ. بالإضافة إلى إبقاء الحزب للبنان كجبهة متقدمة دفاعاً عن الأقصى والفلسطينيين.

المكشوف والسرّي
عملياً، هذه القواعد ثابتة منذ سنوات، وهي تضاف إلى قاعدة أساسية كان قد أرساها الحزب بأن أي ضربة ضد الحزب في سوريا تؤدي إلى سقوط ضحايا لا بد من ردّ عليها إنطلاقاً من لبنان. أما الثابتة الأساسية فهي إعادة التأكيد على وحدة الساحات أو الجبهات، خصوصاً أن الطرف الذي أطلق الصواريخ من لبنان هو حركة حماس، ما يدلّ على التكامل بين أعضاء غرفة العمليات العسكرية المباشرة، لا سيما أن ذلك جاء بعد لقاءات تنسيقية بين أمين عام الحزب وقيادات من حماس والجهاد الإسلامي الشهر الفائت.

أما أبعد من تثبيت قواعد الاشتباك هذه، فتتكاثر التحليلات التي يمكن التداول بها لبنانياً وفي المنطقة حيال ما جرى. يجدر تثبيت مفاضلة واضحة بين سياقين، الأول الجانب العملاني المكشوف والإعلاني للعمليات، والثاني الجانب الخفي أو السرّي والذي سيبقى مفتوحاً على احتمالات وخيارات متعددة لكلا الطرفين. في الجانب الإعلاني، أي ما هو معلن من عمليات، فإن ما جرى هو عبارة عن ضربة مقابل ضربة. وفي هذه المعادلة إبقاء الحدود مستنفرة، واعادة التذكير بأنها قابلة للاشتعال في أي لحظة، من دون إغفال كل العوامل النفسية والمعنوية المرتبطة بحالة الحرب واحتسابها أو التخوف من وقوعها، على الرغم من أن الطرفين لا يريدانها. ويأتي في هذا السياق أمر أساسي، هو استخدام الإسرائيليين عناصر التخويف الخارجية لاستثمارها في الداخل، هرباً من مواجهة واقع انقسامي هائل يهدد الحكومة ومجتمع الكيان ككل. وهو ما سيحاول بنيامين نتنياهو الاستفادة منه أكثر على مراحل، خصوصاً عندما قال إن الأعداء سيدفعون ثمناً باهظاً بدءاً من هذه الليلة وبعدها. الإشارة إلى ما بعد تلك الليلة واضحة في أن الرجل يريد البقاء في حالة استنفار تخوله الالتفاف على مواجهة مصير داخلي محتوم.

حرب صامتة
أما الجانب الصامت من هذه العملية، فهو سيعيد الاعتبار إلى عمليات سابقة، هي عبارة عن عمليات أمنية خفية أو غير متبناة، كانت تجري في لبنان أو سوريا او الداخل الفلسيطني. في مقابل عمليات أمنية يقوم بها حزب الله أو إيران أو فصائل المقاومة الفلسطينية، بما فيها هجمات إلكترونية أو غيرها. ومن بين الاحتمالات التي قد تشملها العمليات الخفية إما عمليات اغتيال أو استهداف مواقع أساسية كمخازن للصواريخ أو مصانع لها، وحصلت مثل هذه العمليات سابقاً في لبنان، وقد أعلن أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله سابقاً أن اسرائيل قامت بعمليات عديدة في مناطق مختلفة، من دون الإعلان عنها أو تبنيها. وبالتالي، مثل هذه العمليات يمكن أن تتجدد.

تخريب الاتفاق السعودي الإيراني
وعلى هوامش هذه التحليلات، قراءات أوسع ترتبط بالتوقيت، والظرف، والهدف. فالتوقيت لا يرتبط فقط بالاعتداءات على المسجد الأقصى، ولا في الرد على عمليات طالت القوات الإيرانية في سوريا، بل هناك توقيت سياسي ذات بعد إقليمي، ربطاً بالتفاهم الإيراني السعودي، والذي تؤكد الكثير من التقارير الإنزعاج الإسرائيلي والأميركي منه. وبالتالي، هناك تضرر إسرائيلي بفعل هذا الاتفاق، ولا بد من التخريب عليه. في المقابل، تحدثت معلومات من إيران قبل أيام عن توقيف طهران لمسؤولين إيرانيين وفي الحرس الثوري تحديداً، بالإضافة إلى مسؤولين لبنانيين ويمنيين أرادوا التخريب على الاتفاق، من خلال القيام بعمليات عسكرية. وهذا يعني إشارة في بعض الأوساط الإيرانية إلى تضرر بعض الجهات داخل طهران من هذا الاتفاق. وتضيف التقارير بأن قائد فيلق القدس اسماعيل قاآني قد تدخل مباشرة معطياً الأوامر لمنع حصول أي تخريب لهذا الاتفاق.

في حال صحت هذه التقارير، فإن ذلك يعني تطابق معيار “التخادم المشترك” بين بعض المتضررين الذين أرادوا التخريب على الاتفاق والعودة إلى ما كان عليه الوضع قبله، لا سيما أن جهات معارضة لإيران وحزب الله وترفض الاتفاق، تعتبر أن ما جرى هو أول تجاوز إيراني لبنود الاتفاق، الذي ينص على عدم التدخل بشؤون الدول الأخرى، فيما إطلاق صواريخ من جنوب لبنان يعني مساً بالسيادة وتدخلاً هادفاً إلى تغيير قواعده.

صواب وخطأ
لبنانياً، فإن التوقيت سيعطى معان وأبعاد كثيرة. فالبعض سيربط بما جرى بتوقيت المعركة الرئاسية، خصوصاً في ظل تكاثر الحديث عن ضرورة انتخاب رئيس وتدعيمه ببرنامج واضح ينطلق من ضرورة البحث في الاستراتيجية الدفاعية. مثل هذه التحليلات فيها بعض من صواب وكثير من خطأ. إذ ان البعض يربط هذه العملية بأنها رسالة لتجاوز البحث في مسألة الإستراتيجية الدفاعية، لأنه عندما يلتزم الحزب الصمت، ولا يكون هو المسيطر في الواقع على الأرض في الجنوب ويبقى الأمر من مسؤولية الدولة، فإن الحدود قابلة لأن تشهد الكثير من التفلت. وبالتالي، فهو بذلك يدفع إلى تجاوز البحث في هذه المسألة الاستراتيجية. الخطأ الذي ينطوي عليه مثل هذا التحليل هو أن هذا النوع من العمليات سيدفع بالكثير من المسؤولين اللبنانيين والدوليين إلى التشديد على مسألة ضبط الحدود من قبل الدولة، وإثارة مسألة السلاح، والتمسك بمبدأ الاستراتيجية الدفاعية. وستذهب المطالب أبعد من ذلك، من خلال التشديد على ضرورة سحب السلاح الفلسطيني، داخل المخيمات أو خارجها. وبالتالي، لا يمكن لحزب الله أن يربط بين هذه العملية والاستحقاق الرئاسي، إنما لها سياقاتها الأخرى المرتبطة بتطورات الوضع في المنطقة، وبقواعد الاشتباك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى