كتب طوني عطية في نداء الوطن:
أصبح التمديد لصيق المواعيد الدستورية حتّى أمسى ثقافة مُندَسّة في أدب السياسة، وتدنيساً في هيكل وروحية دولة القانون. وما يثير العجب ودهشة التناقضات، أن إفراغ الحياة الديموقراطية ونسف الإنتخابات كآلية وصول إلى السلطة وممارستها، يتمّ عبر المؤسّسة التشريعية الأولى في البلاد بلا حياء ولا دستور. هذا الإعوجاج البرلمانيّ فَرمَله المجلس الدستوري أمس، بتجميد قانون التمديد للمجالس البلدية والإختياريّة، ريثما يدرس الطعون المقدّمة أمامه ويصدر قراره النهائي في الأيام أو الأسابيع المقبلة.
ليست المرّة الأولى التي تقع فيها المواجهة بين السلطتين التشريعية والقضائية على خلفية التمديد البلدي. للبنان تجارب كثيرة مع التأجيل. إذ شهدت الفترة الممتدّة من العام 1967 ولغاية 1998، 21 قانوناً للتمديد!
وبتاريخ 22/4/1997، أي قبل حوالى الشهرين من انتهاء ولاية البلديات والمخاتير، طلبت الحكومة آنذاك إلى المجلس النيابي إقرار مشروع قانون معجّل بتمديد ولاية هذه المجالس واللجان حتى تاريخ اقصاه 30/4/1998. وبتاريخ 9/7/1998، انعقد المجلس النيابي وأقرّ التمديد حتى مهلة أقصاها 30/4/1999. غير أنّ المجلس الدستوري قد أبطل القانون، مُعلّلاً أسبابه أنّ «التمديد لم يُبرّر بأي ظروف استثنائية تبرّره بدليل قيام الدولة باجراء انتخابات نيابية سنة 1992 وسنة 1996 وانتخابات فرعية في سنة 1994 وسنة 1997. فيكون هذا التمديد قد عطّل مبدأ دستوريّاً هو مبدأ دورية الإنتخاب، وحرم الناخب من ممارسة حق الإقتراع خلافاً للمادة 7 من الدستور وحال دون حقّ الجماعات المحليّة في إدارة شؤونها الذاتية بحريّة تطبيقاً للمفهوم الديموقراطي الذي نصّت عليه مقدمة الدستور».
هذه السابقة، قد يُبنى عليها في معرفة مسار «الدستوري» واتخاذ قراره المنتظر لجهة إبطال التمديد. في هذا السياق يشير المحامي وخبير السياسات العامّة ربيع الشاعر لـ»نداء الوطن» إلى أنّ «الأسباب الموجبة لعدم احترام الإنتخابات ومداورتها، أكانت عامّة أو محليّة، غير متوفّرة، مع انتفاء الظروف الإستثنائية أو القاهرة كاندلاع حرب داخلية أو احتلالٍ خارجي يمنع المجلس من الإلتئام وبالتالي يحقّ للسلطة التنفيذية أن تأخذ مهام التشريع بالتمديد للانتخابات أو التأجيل ريثما يستطيع البرلمان عقد جلساته». أمّا الأسباب الموجبة للتمديد، فتُشبه «قفشات» الممثّلين المصريين في أفلامهم ومسلسلاتهم، مع فارق بسيط، أن «نكتهم» تُرفّه وتخفّف الهموم والأعباء اليوميّة، أمّا «نهفة» ممثّلي الأمة (أو عليهم) فهي مبكية ومخزية، إذ جاء في المادة التاسعة من قانون «الفرّوج» النيابي أنّ «البلديات الحالية أو الجديدة مهمّتهـا مستحيلـة فليس لديها الأموال «لتسكيـر جورة» أو «فتح مجرور»، وهذا يذكّرنا بنكتة مصرية إذ عُلّقت لافتة على محلّ لبيع الفرّوج فدخل المصري وسأل عن فرّوج طازج فأجابوه في الدور الأوّل، وصعـد إلى الدور الأول وسأل عن فرّوج طازج ومقطّع فأجابوه في الدور الثاني، وصعد إلى الدور الثاني وطلب فرّوجاً طازجاً مقطَّعاً ومسحّباً فأجابوه في الدور الثالث، وصعـد إلى الدور الثالث فأجابه المسؤول «والله ما عندناش فـرّوج بس إزاي لقيت التنظيـم الغذائي عندنا».
كما انتقد الشاعر بعض الحملات الإعلامية المشبوهة والمدفوعة من قبل السلطة التي تعزّز «قتل الحماسة الإنتخابية لدى المواطنين وتيئيس المرشحين بالقول لهم: إنكم لا تستطيعون تأمين حملاتكم الانتخابية ونقل الناخبين إلى مراكز الإقتراع، ما يعني تشريع الرشوة الإنتخابية».
بالعودة إلى موقف المجلس الدستوري أمس، دعا الشاعر إلى الإسراع في إصدار قراره، نظراً إلى أنّ مدّة ولاية المجالس البلدية والإختيارية الحالية تنتهي في 31 أيّار الحالي. واعتبر أن هذا التأخير، لا يُلزم وزير الداخلية والبلديات في حكومة تصريف الأعمال بسّام المولوي تجميد دعوة الهيئات الناخبة التي مرّ شهر عليها، بل عليه أن يباشر فوراً في تنظيم الانتخابات، عملاً بمبدأ الفصل بين السلطات، واستناداً إلى المادة 14 من قانون البلديات، التي تنصّ على أن الهيئات الإنتخابية البلدية تدعى بقرار من وزير الداخلية خلال الشهرين السابقين لنهاية ولاية المجالس البلدية. ويذكر في القرار مراكز الاقتراع وتكون المهلة بين تاريخ نشره واجتماع الهيئة الإنتخابية ثلاثين يوماً على الأقل».
وفي حال الإبقاء على الوضع الحالي وصدور الحكم الدستوري بإبطال التمديد بعد نهاية الشهر، يرى الشاعر أن «النوايا السيئة، قد تعرقل الإنتخابات، إذ قد يعمد بعض القوى أو الجهات السياسيّة المتضرّرة من إجرائها، إلى محاولة تكبيل وزير الداخلية، وربط دعوته الهيئات الناخبة، بإصدار قانون جديد لتنظيم العملية الإنتخابية، باعتبار أن مهلة دعوة الهيئات قد انتهت. وقد يذهب آخرون إلى الطعن أمام مجلس شورى الدولة».