
كتب رفيق خوري في نداء الوطن:
هزلت. سجال الحوار المسحوب كان مؤشراً الى ان المطروح يتجاوز مفهوم الحوار. ولو تصرّف الرئيس نبيه بري كرئيس للمجلس النيابي، لا كطرف، لما احتاج الإستحقاق الرئاسي الى حوار حول طاولة، يسبق جلسة الإنتخاب، ولما كان الحوار مشكلة، بصرف النظر عن المداولات في الكواليس. ولولا الخروج على قواعد اللعبة الديمقراطية خلال مدة شهرين المحددة في الدستور لإنتخاب رئيس قبل انتهاء الولاية لما وصلنا الى شغور رئاسي يقترب من سنة. فلا بات من السهل حل عقدة الرئاسة بعدما صارت المعركة عليها معركة على الجمهورية. ولا كان من المطلوب أن يتخلى أي طرف عن مرشحه.
ذلك أن من حق «الثنائي الشيعي» الإصرار على مرشحه. لكن من واجبه انتخابه ضمن قواعد اللعبة الديمقراطية حسب الدستور في جلسة متعددة الدورات، بدل تعطيل القواعد والنصاب وتجاوز المهلة الدستورية. فلا أحد يخوض معركة من دون أن تكون لديه خطة «ب» إلا اذا كان واثقاً من أنه رابح في حالي النجاح والفشل. توظيف النجاح في الإمساك بكل مفاصل السلطة، وتوظيف الفشل في فراغ مريح له يخدم مشروعه. ولا أحد يتصور داهية مثل الرئيس بري يقترح حواراً من دون حساب الربح في حالي النجاح والفشل. النجاح يخدم مرشحه، والفشل يتم استخدامه في حملة لنقل المسؤولية عن التعطيل من «الثنائي الشيعي» الى المعارضة المسيحية.
ومن المفارقات ان القابض على السلطة يسمي نفسه «محور الممانعة» للمعارضة القابضة على الجمر. والسؤال هو: ماذا لدى الطرف المصر على استمرار الإمساك بكل مفاصل السلطة من حلول لوقف الإنهيار وحل الأزمات واستعادة الثقة العربية والدولية بالبلد وقدرته على التعافي والنهوض؟
أول ما أمامنا هو مواجهة أربعة تحديات مجتمعة، وسط السطو على المال العام والخاص بلا محاسبة: عجز الميزان التجاري، عجز ميزان المدفوعات، خلل في التوازن الوطني والسياسي، وتبدل في الميزان الديموغرافي. لكن ما يحدث هو تعميق العجزين والعمل لسحب المزيد من العناصر التي تضمن التوازن، وتصدير المزيد من الشباب المتخرج من الجامعات، والعجز عن وقف الخطر الديموغرافي المصيري.
وهذا ما يقضي على حلمين: واحد مثالي هو الإرتقاء بالتدريج الى دولة مدنية حسب اتفاق الطائف، وآخر واقعي هو قيام حكم طبيعي في دولة أرقى من الطوائف، وترتيب تسويات حقيقية تعيد الروح الى لبنان الذي نعرفه. وليس بعد القضاء على هذين الحلمين سوى كابوس الإنهيار الكامل، ونهاية لبنان الذي عرفناه من دون أي ضمان لأن يكون لبنان الآخر قابلاً للحياة ومقبولاً للعيش فيه من دون حرية وانفتاح.
والسجال دار حول سؤال خاطئ: مع الحوار ام ضد الحوار؟ السؤال الطبيعي هو اي حوار في أية مرحلة ومن اجل أي هدف؟ وما فائدة الحوار من دون العودة الى قواعد اللعبة الديمقراطية والتزام الدستور؟
دور العلاج النفسي، كما يصفه فرويد، هو «تحويل البؤس الهستيري الى تعاسة عادية». اما دور العلاج السياسي في لبنان، فإنه تحويل الخلاف العادي الى صراع هستيري.