سلايداتمقالات

أزمة النزوح تستحق مؤتمراً وطنياً..!

كتبت د. فاديا كيروز في اللواء:

في بلد أضاعت فيه السلطة بوصلة الأولويات، ومنهجية القرارات الحاسمة، يُصبح من السهل توقُّع حصول أكثر الأزمات خطراً، وتفاقم أشد المشاكل تعقيداً، في ظل عجز متمادٍ لأهل الحكم عن اتخاذ أبسط الخطوات للحد من المخاطر، أو على الأقل تطويق تداعيات المشاكل المعقدة.
ما يجري من تطورات متسارعة في أزمة النزوح السوري، كشف مدى عجز السلطة، وتخبطها في قرارات مترددة تارة، ومتناقضة تارات أخرى، في إدارة قضية وطنية باتت تشكل خطراً وجودياً على الكيان، وتهدد تركيبة الدولة، وتوازنات المعادلة الداخلية، البالغة الدقة والحساسية.

 

 

صحيح أن الإنقسامات السياسية قد حالت دون توحيد المنهج الواجب إعتماده مع النزوح السوري مع بدايات الحرب المدمرة في سوريا عام ٢٠١١، ولكن الأصح أيضاً أن تهاون السلطات اللبنانية المعنية في التعامل مع الجهات الدولية والمنظمات الأممية التي تتعاطى في ملف النزوح السوري، قد شجع تلك الجهات على التطاول على السيادة اللبنانية، وتجاوز حدود المعاهدات والإتفاقات الدولية.
وما تجرّؤ مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين على إصدار إفادات سكن للنازحين السوريين، دون مراعاة مسؤولية الدولة المضيفة، والتعدي على صلاحيات وزارة الداخلية، إلاّ نموذجاً صارخاً للتواطؤ الدولي على تشجيع النازحين على البقاء في لبنان، وعدم مساعدتهم للعودة إلى بلادهم.
وفي الوقت الذي تتعامل فيه الدول الأوروبية مع ملف الهجرة غير الشرعية إلى بلدانها، بمنتهى الشراسة، ولا تقيم وزناً لشريعة حقوق الإنسان، وتترك المهاجرين عرضة للموت في أمواج البحار، ترفض هذه الدول عينها مجرد البحث في موضوع عودة النازحين السوريين في لبنان، وتتجاهل الخطر الوجودي والديموغرافي الذي أصبحت تشكله هذه القضية على الإستقرار في البلد، بعدما وصل تعداد السوريين في لبنان إلى ما يعادل نصف عدد اللبنانيين، بل بات تعداد النازحين السوريين في بعض المناطق والقرى أكبر من عدد المواطنين اللبنانيين. في الهرمل مثلاً وصل عدد السوريين إلى ٣١٥ ألفاً، مقابل ٢٥٠ ألفاً تعداد اللبنانيين في هذه المحافظة. وفي بلدة عرسال يبلغ عدد سكانها حوالي ٣٥ الفاً في حين يضم المخيم وضواحي البلدة ١٠٠ ألف نازح!
وتطرح موجة النزوح المريبة الأخيرة أكثر من علامة إستفهام حول الأهداف المبيتة «للغزو المنظم»، من آلاف الرجال والشباب السوريين، المنهين لخدمتهم العسكرية الإجبارية في بلادهم، والذين يتسللون من ١٣٩ معبراً غير شرعي، رغم محاولات الجيش التصدي لهم في عدد من المعابر، وإجبارهم على العودة من حيث أتوا.
مشكلة النزوح السوري أصبحت خطراً وجودياً وطنياً، تستحق إنعقاد مؤتمر وطني شامل، لإتخاذ القرارات الحازمة لمواجهة هذه الأزمة المتفاقمة، وإنقاذ الوطن من مضاعفاتها قبل فوات الأوان.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى