مصطفى شهاب
كاتب وصحفي عربي مقيم في الرياض
لا أدري لم يبدو الإعلام العربي عبر فضائياته، وما أقرأه من بعض المقالات، وما أسمعه من تعليقات لمن يستضافون على الفضائيات للتعليق على الأحداث الجارية بين دولة الكيان الصهيوني والمقاومة الفلسطينية في غزة، وكأنه قد حسم مآلات هذه المعركة، وحرف بوصلتها نحو البعد الإنساني في توفير الممرات الآمنة والماء والغذاء والدواء. وهي أمور على أهميتها وماسية الحاجة لها، إلا أنها ليست سوى عارضٍ من أعراض الزلزال الذي أصاب دولة الكيان يوم السابع من تشرين أول /أكتوبر.
فلم يكن من المتوقع أن يكون رد فعل العدو على ما أصابه غير استخدام ترسانته الحربية، وكل ما لديه من قوة تدميرية لمعاقبة -ليس حماس- بل الشعب الذي أنجب هؤلاء الأبطال الذين مرغوا كرامة جيشه في الوحل، ووضعوا العصابة الحاكمة من المتطرفين في تل أبيبب في مأزق لم يكن في حسبانهم يوما من الأيام. فـ(إسرائيل) في ردها على الساحة التي لا يملك المقاومين فيها غير عزائمهم، ولا يستطيعون مواجهة طائراتها وصواريخها تبالغ عادة في التدمير. فعلت ذلك مع حزب الله في لبنان ومع المقاومة الفلسطينية في غزة في كل المواجهات السابقة، ولعل هذا هو ما يجب أن تتنبه له حماس؛ إذ لم تأخذ ذلك بعين الاعتبار على ما يبدو. وأظن أن هذه هي المرة الأخيرة التي تقع فيها بهذا الخطأ؛ ففي الجولات القادمة -وهي قادمة لا محالة طالما بقي الاحتلال- لا بد أن تكون الصواريخ المضادة للطائرات هي المفاجأة التي ستنتظر جيش العدو، والتي ستضع إسرائيل في وضع لن تحسد عليه؛ فهي بغير هذا التفوق النوعي لن تستطيع مواجهة المقاومين بأي شكل كان.
وحكومة (إسرائيل) وهي تستخدم تفوقها الجوي لتدمير الأخضر واليابس في غزة أو لبنان تسعى لتحقيق هدفين استراتيجيين، الأول هو محاولة غسل ما لحق بها من عار يوم السابع من أكتوبر والانتقام لمقتل وأسر وجرح هذا العدد الكبير من جنودها ومستوطنيها في مستعمرات غلاف غزة -وهم بدورهم جنود أيضا-، والثاني هو إعداد مخرج لهذه الحرب يحفظ لها ماء وجهها عند توقفها. فالحرب لا بد لها من نهاية، إما بتأثير الضغوط الدولية؛ خاصة بعد فضح الأكاذيب الإسرائيلية عن قطع رؤوس الأطفال اليهود واغتصاب النساء في طوفان الأقصى، أو بعد أن تقول إسرائيل أنها استكملت أهدافها من الحرب، أو أن يلحق بها المقاومون في غزة هزيمة منكرة في الحرب البرية، وهذا ليس بمستبعد أبدا.
خلاصة القول إن إسرائيل ذاهبة إلى غزة في استعراض للقوة لإعادة بعض من ماء الوجه، وإعادة ثقة اليهود اللاجئين في فلسطين بدولتهم، والتي أشك أنها ستعود ذات يوم، وذلك لأن هذه الحرب وأي حرب قادة على هذا القطاع العملاق المحاصر لن تقضي على حماس وباقي فصائل المقاومة الفلسطينية في غزة والضفة، بل إنها إلى تصاعد واضح، وأثبتت أن في جعبتها الكثير من المفاجئات التي على مستوطني دولة الكيان أن يضعوها في حسبانهم.
لذا فإننا نرى أن هذه الحرب على قساوتها على أهلنا في غزة، إلا أنها حرب عزة وفخار. ونتيجتها لم تحسم بعد، فلا تزال الأيام حبلى، وإن ما حققته المقاومة الفلسطينية في طوفان الأقصى من إنجازات يجب أن يبنى عليه، فلا أرى فيما حصل يوم السابع من أكتوبر إلا سقوط عرش دولة الكيان وتغولها على دول المنطقة. وهذه الحرب لن تضع أوزارها إلا بنصرٍ فلسطيني.
فلا حاجة للتباكي على آلام شعبنا. نحن بحاجة للبناء على ما تحقق من إنجاز ضخم في طوفان الأقصى؛ إذ إن ما حدث يمثل بداية اندحار الحلم الصهيوني على أرض فلسطين، وأنَّ على دولة الكيان وداعميها الذين هرعوا لنجدتها أن يغتنموا هذه الفرصة في البحث عن حل يرضي الطرف الفلسطينيي والعربي، وإلا فإن جولاتٍ أخرى قادمةً لا محالة قد لا تتمكن معها واشنطن وأذنابها في أوروبا من حماية ربيبتهم من الانهيار