سلايداتمقالات

مصر تعود لمواجهة ما عليها من استحقاق

في لقاء ضمني ومجموعة من الزملاء الصحفيين من مصريين وسعوديين في مقهى الرمال في الثمامة بالرياض في تسعينات القرن الماضي، وضم على ما أذكر أيضا الملحق العسكري المصري الذي ظل صامتا خلال الحوار -ولا أدري أكان فخامة الرئيس السيسي أم غيره- تطرق الحديث إلى اتفاقية أوسلو؛ مالها وما عليها، واتفاقات السلام العربية، وكان لا بد والحالة هذه أن يكون لاتفاقية كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل نصيب الأسد باعتبارها الاتفاقية التي أرست لاتفاقية أوسلو بين منظمة التحرير الفلسطينية ودولة الكيان الصهيوني عام 1993، واتفاقية وادي عربة بين الأردن ودولة الكيان والتي تلتها بعام. كان رأيي أن هذه الاتفاقات بلا جدوى، وأن للعدو الصهيوني خططه وبرامجه المستقبلية، ولا حد لطموحه.
أذكر أنني قلت في حينها أن السادات لم يوفق باستثمار ما أنجزه الجندي المصري والعربي في حرب أكتوبر 73، وأنه أهدر هذا النصر وقدمه هدية لدولة الكيان انسياقا مع وهم زرعه في رأسه عبر اتصالاته بالأميركان وخاصة (عزيزه هنري)، وأقصد طبعا اليهودي هنري كيسنجر وزير خارجية الولايات المتحدة في حينه، والذي أعتقد أنه ساهم في صياغة خطة السادات لما وصفها هو بـ(الحرب التحريكية)؛ فقليل من النصر للعرب، وبعض من الهزيمة لإسرائيل، -وهذا ما انتهت إليه الحرب على أية حال-، كفيل بأن يُجسِّرَ الهوة بين الموقفين، ويحقق لإسرائيل حلمها الأكبر منذ تأسيسها والمتمثل في إخراج أكبر قوة عربية (مصر) من حلبة الصراع العربي الإسرائيلي والذي بات العرب يخدعون أنفسهم ويطلقون عليه اليوم الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وكأن هذه القضية فلسطينية صرفة، وهي ليست كذلك بكل تأكيد.
قلت في تلك الجلسة إن السادات أخطا خطأً كبيرا؛ إذ هو يؤخر استحقاقا لا بد لمصر أن تواجهه ذات يوم -مهما بعد- طالما أن هذه القضية لا تزال قائمة، وعلى ما أذكر أنني قلت إن مصر ستكون أول من يحارب إسرائيل ليس من أجل تحرير فلسطين بل دفاعا عن أمنها ومصالحها التي ستتضرر أكثر مع هذا السلام مما لو استمرت حالة العداء والحرب مع العدو.
قلت ولا زلت أقول: إن الوضع العربي مع إسرائيل لا بد أن ينتهي إما بإسرائيل سيدة على المنطقة، أو بإسرائيل كدولة عادية من دول المنطقة. وبما أن إسرائيل بما رسمه لها الغرب الذي زرعها في قلب عالمنا العربي لن تقبل بدور الدولة العادية فإنها لن تقبل إلا بدور السيد المسيطر على القرار. وبما أننا نعرف أيضا أن إسرائيل لا تستطيع مواجهة حرب حقيقية، ولا تستطيع العيش في ظل السلام، بل في حالة البين بين؛أي اللاحرب واللاسلم، فإن هذا القلق المسمى إسرائيل سيظل الصداع الذي يؤرق المنطقة، ولن يجدي معه أي سلام في أي حال من الأحوال.
بعد يومين على ذلك الحوار جاء عمرو موسى وزير خارجية مصر إلى الرياض وألقى محاضرة في المعهد الدبلوماسي السعودي قال لي أحد الزملاء من الإعلاميين المصريين الذين حضروا لقاء المقهى في الثمامة إن عمرو موسى كرر في المحاضرة ما كنتُ قلتُهُ بالحرف الواحد.
لقد أطلق السلام المصري الإسرائيلي العنان لإسرائيل لتعربد في المنطقة من العراق إلى لبنان وسوريا، ناهيك عن الأرض الفلسطينية من بناءٍ للمستوطنات، ومواصلة العدوان على كل مقدرات وحياة الشعب الفلسطيني في الضفة والقطاع، ووأد أي فرصة لتحقيق الحل السلمي الذي ارتضاه العرب بإقامة الدولتين الفلسطينية إلى جانب الإسرائيلية. كما أطلق العنان لها لتعاود الانتشار في القارة الإفريقية؛ بحيث تمكنت من ضرب أمن مصر المائي مع أثيوبيا في سد النهضة، وقبل ذلك تقسيم السودان التي تشكل عمق الأمن المصري. كما لا ننسى ما حصل لاحقاً؛ حيث أدت حالة الترهل التي أصابت الشعب المصري والمجتمعات العربية في ظل غياب الأهداف الكبرى التي تجتمع حولها الأمم والشعوب إلى الفوضى التي سميت زوراً بالربيع العربي، والذي لا زلنا نكتوي بنيرانه حتى يومنا هذا.
وأخيرا، فقد تفتق الذهن الإسرائلي اليوم في ظل هذا السعار الإسرائيلي على أهلنا في غزة والمقاومة بعد ما ألحقته من عار بكل أجهزتها الأمنية والعسكرية، عن فكرة جهنمية تقضي بتفريغ القطاع الفلسطيني من أبنائه، وتهجيرهم إلى صحراء سيناء، وهو مشروع تحدثت عنه إسرائيل أكثر من مرة، ولا أشك أنه يحظى بمباركة أميركية، ولم يجد ما يقوله الرئيس السيسي في مواجهته إلا الدعوة لترحيلهم إلى صحراء النقب، وكأني به يوافق على فكرة التهجير.
إن أمن مصر اليوم في خطر. فهي على كونها الدولة العربية الأهم والأقوى، فهي الدولة الوحيدة التي اجتازت فوضى (الربيع العربي) بنجاح، وهذا ما يستوجب عقابها؛ فهل أنتم متيقظون؟ إسرائيل تخطط لمد قناة من ميناء إيلات إلى أسدود وربما إلى غزة إذا أفرغتها من أهلها وضمتها لاحقا، وهو ما يضر كثيرا بقناة السويس، أليس أمن مصر في خطر بعد كل هذا؟؟
إن أسرائيل قاعدة متقدمة للغرب الإمبريالي، وهي صنيعتهم ودرة أدواتهم في الهيمنة على المنطقة واختراقها ثقافيا ووجدانيا وسياسيا وأمنيا. وهي تستهدفكم جميعا أيها العرب، وليست صراعا فلسطينيا إسرائيليا كما قزمتموه لتبرئوا ضمائركم من هذه القضية. وأنتم إذ فعلتم فإن أعداءكم لم، ولن يفعلوا.
مصطفى شهاب
كاتب وصحفي عربي مقيم في الرياض

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى