سلايداتمقالات

“مش كبسة، كبسة ونص”!..

كتبت: كفا عبد الصمد

يصادف أحيانا أن تصنع بعض العبارات أو الجمل أو “الأفيشات” كما يسميها المصريون، نجومية أحدهم، ويصبح معروفا من خلال هذه العبارة التي لا نتردد من ذكرها في أي وقت وكل مناسبة.. وهذا يعود بطبيعة الحال إلى عظمة الممثل في تطويع الحرف واللغة والباسها شيئا من شخصيته وتحويلها إلى جملة ترند في زمن لم يكن للترند أي وجود..

ويمكننا الجزم بأن شخصا لم يعتلي خشبة زياد الرحباني إلا وترك مكانة له في ذاكرة جيل لا زال مسرح زياد بالنسبة إليه هروبا يبحث عنه عندما تكبله الظروف، وكأنه منبع للحرية والرأي الجريء والرؤية البعيدة التي تثبت يوما بعد يوم أننا ما زلنا هناك، في أحد زوايا مسرح زياد الخشبي، الذي رسم الصورة من دون روتوش أو فوتوشوب وقال الحقيقة في وقت كان من الصعب فيها قول أي شيء.. ومن هذه الشخصيات التي تركت أثرا فينا من خلال صوته قبل صورته، كان الفنان بطرس فرح، الحاضر في أعظم وأهم أعمال زياد الرحباني مسرحية بالنسبة لبكرة شو، مسيو أنطوان مدير المطعم الذي يحرص على تأمين كافة الظروف والأجواء التي ترضي صاحب المحل والزبون وتحافظ على مكانته حتى لو كان على حساب مصلحة الموظف..

شكل مشهد مسيو أنطوان وهو يعاتب زكريا كيف أن هناك مصروف غير مبرر للويسكي، وكيف أن زكريا بدل الكبسة يضغط كبسة ونص ما يكلف المحل الكثير، نقطة تحول لتفكير العديد من الأشخاص، لأن الفكرة ورغم سذاجتها غير أنها عميقة في معانيها وأبعادها، وتجعلك تعيد الوقوف عند الكثير من الحسابات وتفكر حقا في نص الكبسة غير المبررة ونتائجها، وهذا ليس بجديد على مسرح زياد، لكن ما حقق لهذه اللقطة الانتشار الكبير العابر للأجيال، صوت بطرس فرح بالدرجة الأولى، كنت تسمع الحوار وتتخيل الشخصية التي تجسد هذا الدور.. بطرس فرح رسم ملامحه بصوته المختلف والغريب، وانفعالاته التلقائية، لهذا كان من السهل التعرف على صوته في أي عمل يشارك فيه، سواء مع مسرح زياد في “شي فاشل” أو حتى في “ومشيت بطريقي” مع ملحم بركات وأعمال جورج خباز..

منحنا هذا الجيل شيئا من شخصيتنا حتى لو بالصدفة، وأوضح لنا الكثير من المفاهيم التي تحاول أخذ مكانها في مرحلة تكوين الشخصية، وكان لهم دورا في تنمية نزعة التمرد والبحث عن الاستقلالية في شخصيتنا.. وقد شكل بطرس فرح حالة فنية تربى جيلنا على صوته قبل أن نتعرف الى شكله.. بطرس فرح من عظماء هذا الجيل الذي اعتمدوا على فنهم وموهبتهم ليحجزوا مكانتهم في عقول وقلوب الجمهور، الذي أحبهم لرقي ما يقدمون وليس لسخافة ما يحملون من جمال مصنع وموهبة ناقصة..

بطرس فرح رمى بحمله ورحل إلى عالم أفضل، لن تتذكره الدولة وقد لا يمنح وساما على نعشه، لكنه كان واحدا من الذين تركوا أثرا في حياتنا، أوصلنا بصوته إلى حالة من الصفاء الذاتي جعلتنا نتماهي مع شخصيته ونرسم ملامحها قبل أن نتعرف إليها.. طغى بحضوره وموهبته وكان استثنائيا في بلد لا يملك موادا أولية!..

بطرس فرح شكرا لتاريخك الفني ولكل ما قدمته لنا، لك الحب ولروحك السلام..

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى