مقالات

بشرى عبد الصمد ترحل بصمت….

كتبت: كفا عبد الصمد. لا فائدة من الكلام في حضرة الموت تتجرد الارواح من حقيقتها الملموسة وتتلاشى الاجساد في اللاشي، يفتك صمت اللحظة في اعماقنا، ونقف ضعفاء مكسورين حائرين، محاولين التأقلم مع حقيقة يرفض عقلنا الباطني استيعابها… رحلت بشرى عبد الصمد، في صمت قاتل، هي التي وقفت بوجه الموت مرارا وتكرارا، لم تخيفها نيران العدو ولا رصاصاته الغادرة، نقلت اوضاع الجنوب وكانت شاهدة على مجازر حية نقلتها بالصوت والصورة، كانت عين المشاهد ونبضه، تحلت بالجرأة، لم تفكر بنفسها ولا بعائلتها، بل سخرت رسالتها لنقل صورة اردوا لنا نسيانها… كانت ثابتة في مواقفها، منضبطة في انفعالاتها، صادقة في تصرفاتها وحقيقية في حياتها، تختار كلماتها بدقة وتعمل بحرفية كبيرة لانها آمنت دوما بان الاعلام رسالة ووسيلة لنقل صوت الحق وآهات الضعفاء.. عرفتها في لقاء سريع وخاطف، يومها كنت احضر حلقة عن الصعوبات التي يعيشها المراسل وتأثيرها على علاقته بعائلته، وبما ان بشرى كانت من ابرز المراسلات اللواتي نقلنا مجزرة قانا والعدوان الاسرائيلي على قرى ومناطق الجنوب في حرب تموز، طلبت منها ان تحدثني عن تجربتها.. حضرت الى الاستوديو ببساطتها المعهودة، شعرها الاجعد وجسمها النحيل وابتسامتها الملفتة، لم تتزين او تتبرج ولم تتجمل وتختار من الثياب ما هو ملفتا، بل احضرت معها رقيها وطبيعتها وصدقها وعفويتها، كانت حلقة استثنائية، كشفنا من خلالها عن الوجه الآخر للعمل الصحفي، وتعرفنا على مفاتيح النجاح وكيفية تحقيق الاستمرارية واحداث الفرق.. بشرى عبد الصمد من الظلم ان تكون سنواتك قصيرة الى هذا الحد، تتجرعين كأس الموت بسلاسة وترحلين وعلى وجهك ابتسامة لم تفارقه، وفي داخلك نشاط وقدرة على العطاء الامحدود.. رحيلك المفاجىء مؤلم، الحياة تليق بك والعمل الصحفي يخسر الكثير بغيابك.. ليتنا نتعلم كيف نتقبل خسارتك كما تعلمت كيف تعايشين المرض وترحلين بصمت وهدوء… تحديت القدر لكن الموت غلبك، لم تخافي وجازفت بحياتك كثيرا وانتصرت الى ان جاءك المرض، اتعبك وارهقك وابعدك عن من تحبين، وحولك الى رسم جميل في ذاكرة كل من تعرف عليك، صورة تختصر الكثير من التضحيات لصحافية تليق بها الالقاب وام تستحق ان تفرح بفتياتها… هناك اشخاص تراهم في حياتك مرات نادرة لكن يبقى عطر هذا اللقاء فواحا في ذاكرتك وتربطك بهم علاقة من نوع مختلف، يدخلون حياتك لبرهة يعلمونك درسا، يرسم خطوط مستقبلك ويجلسون جانبا، ويبقى جميل لقاءهم يخطر في البال كلما اردت تعداد الاشخاص المؤثرين في حياتك… بشرى عبد الصمد لا اريد رثاءك لانك ستبقين الحاضرة الغائبة وسيبقى لي معك حوار لم ينتهي ولقاء لم يبدأ بعد…

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى