كتب جورج شاهين في الجمهورية:
على وقع مجموعة المواجهات القائمة على بعض المحاور الجنوبية بين الجيش الاسرائيلي وعناصر المقاومة، تستعد المراجع الرسمية الى ما هو أسوأ إن قرّرت تل أبيب المضي في غزوتها بلا كوابح عسكرية ولا حدود جغرافية، في غياب اتفاق لوقف النار تزامناً مع غزة او من دونها. وما عزز المخاوف غياب الوسيط الاميركي عاموس هوكشتاين عن السمع، بعدما نفى المسؤولون اجراء اي اتصال معه وسط معلومات عن تفكيك فريقه، وهو ما انعكس فقداناً للاتصال مع أصدقائه. وعليه ما هي جدّية هذه المخاوف ومداها؟
أصرّ بعض المسؤولين اللبنانيين في الايام القليلة الماضية ومن بينهم رئيسا مجلس النواب نبيه بري والحكومة نجيب ميقاتي، على نفي المعلومات التي تحدثت عن طروحات أميركية جديدة نقلها هوكشتاين منذ أن نقل تحذيره الأكثر جدّية وخطورة بضرورة إعلان وقف النار ومعه حرب «الإلهاء والإسناد» من جانب «حزب الله» والخطوات الضرورية قبل أن تتفلّت الأمور إلى درجة لا يمكن لجمها قياساً على حجم المخاوف التي عبّر عنها في زيارته لبيروت نهاية تموز الماضي التي سبقت اغتيال القائد العسكري للحزب فؤاد شكر قبل ساعات قليلة على اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» إسماعيل هنية في طهران ليل 30 ـ 31 تموز الماضي.
على هذه الخلفيات تركّزت القراءات السياسية والاستراتيجية على محاولة فهم العقل الاسرائيلي وما يمكن أن يقوم به الجيش، فبعض الديبلوماسيين الغربيين اعتبروا في قراءتهم لتوغله البري المحدود في بعض النقاط الحدودية على شكل عمليات كرّ وفرّ شكّلت «إنعاشاً» لمعنويات «حزب الله» بعد الضربات التي استهدفت قيادته في الضاحية الجنوبية من بيروت والاراضي السورية، من دون النظر الى المخاطر المترتبة على اعادة احتلال إسرائيل للمنطقة، وما يمكن أن يستجرّه من مصاعب على مستوى التفاهم المحتمل على تثبيت وتظهير الحدود البرية، لأنّ مثل هذا الواقع الجديد قد يؤدي الى تعقيد الامور امام الحكومة اللبنانية التي تسعى لتوفير المخرج من الحرب الذي اقتيد لبنان اليها بلعبة اقليمية من دون أن يكون لها اي رأي فيها. في ظل استغراب مطالبتها بوقف للنار، وهي ليست من اعلن هذه الحرب وقد رفضتها منذ اللحظة الاولى، وانّ المجتمع الدولي هو من أعاد الربط بين عمليات الحزب والحكومة اللبنانية بعد انتهاء فترة كان يعفي فيها الحكومات من أفعال المقاومة وقبلها الفلسطينية ونظيراتهما لسنوات خلت.
والى هذه المخاوف، فقد نُقل عن مرجع سياسي لبناني كبير يحمل أكثر من صفة سياسية وحزبية ورسمية، جملة مخاوف من أي اجتياح اسرائيلي جديد للمناطق التي تحرّرت قبل عقدين ونصف. ذلك أنّه وإن انطلقت هذه العملية لن تتوقف عند حدود معينة وبعمق محدود على شكل شريط مدمّر، وقد «يفاجئنا نتنياهو بعملية تصل الى مجرى نهر الليطاني وربما الى أبعد منه». وهي عملية ستكون مغايرة لكل أشكال الحرب التي شهدنا فصولاً منها حتى اليوم عشية عبور عامها الثاني اليوم.
وقالت هذه الشخصية أمام زوارها، إنّ المخاوف من مثل هذه الخطة ستكون اكبر بكثير إن استمر غياب الوساطات الدولية، ولا سيما منها الاميركية، كما بالنسبة الى تجاوز المساعي الجارية التي اوحت بسقوط ما قال به النداء الاميركي ـ الفرنسي المدعوم من عشرات الدول الصديقة للبنان الذي أُطلق من الامم المتحدة على هامش أعمال الجمعية العمومية للأمم المتحدة. فما رافقه من اقتراحات باتت من الماضي البعيد. وبات من الصعب الفصل بين ما يجري في الجنوب وغزة، ولا فضل لأحد في ذلك، فمن أسقطها هو الجانب الإسرائيلي الذي رفض البحث بها قبل أن تقضي عليها نهائياً التوجّهات الايرانية الجديدة التي حملها وزير الخارجية الايرانية عباس عرقجي الى بيروت. فهو من احيا الربط الكامل بين جبهتي الجنوب وغزة تحت عناوين شتى لا مجال للتوقف عندها، عدا عن الربط الواجب قيامه بالردّ الاسرائيلي المحتمل على ايران والردّ على الردّ.
وختاماً، لا بدّ من الاشارة الى انّ ما تجاهلته هذه الشخصية يكمن في المعلومات التي كشفت انّ فريق عمل هوكشتاين بدأ بالتفكك عشية الانتخابات الرئاسية الأميركية، استعداداً لانتقاله الى مجالات العمل في القطاع الخاص. وما يزيد في الطين بلّة، أنّ من بين الذين تقدّموا باستقالتهم من كانت صلة الوصل بينه والشخصيات اللبنانية.
وسط كل هذه «الجبهات» التي تُشغِل عين التينة، لا يغيب طيف الأمين العام لحزب الله السيّد الشهيد حسن نصرالله عن وجدان بري، الذي يضبط انفعالاته وعواطفه بصعوبة كلما استحضره أو سُئل عنه، خصوصاً أنّهما لطالما كانا شريكَين في مواجهة الحروب الإسرائيلية وصنع الانتصار، كلٌ من موقعه ودوره.
ويقول الرئيس بري لـ»الجمهورية»، في سياق ردّه على سؤال عمّا آلت إليه المساعي لوقف إطلاق النار على الجبهة اللبنانية: «نحن ملتزمون بالنداء المشترك الأميركي الفرنسي الأوروبي العربي، الذي صدر في 25 أيلول ودعا إلى وقف فوري لإطلاق النار لمدة 21 يوماً، يتمّ خلالها استكمال المفاوضات بغية التوصّل إلى اتفاق نهائي لتطبيق القرار 1701، وهذا البيان الدولي يُشكّل الأساس الصالح لإنهاء العدوان الإسرائيلي المتمادي على لبنان».
ويلفت بري إلى أنّ باريس ولندن تتمسّكان بهذا البيان – النداء، «أمّا واشنطن فهي معه شكلياً، لكنّها في الجوهر لا تفعل شيئاً لتنفيذه ولا تضغط جدّياً على الكيان الإسرائيلي للتقيّد به ووقف عدوانه».
ويلاحظ بري أنّ نتنياهو «فالت»، ويبدو أنّه هو الذي يضغط على الولايات المتحدة وليس العكس، مستغلاً فرصة الانتخابات الرئاسية التي يتنافس فيها الديموقراطيّون والجمهوريّون على إرضاء «إسرائيل»، ومُمسكاً الإدارة الأميركية من «خوانيقها».
ويؤكّد بري «أن ليس أمامنا من خيار سوى العمل على مسارَين معاً: مواصلة المقاومة لمنع العدو من احتلال أرضنا، ومتابعة المسعى الدبلوماسي لوضع الخطة الدولية التي وافقنا عليها موضع التنفيذ».
ويشير بري إلى أنّ قضية النازحين تشكّل همّه الأكبر في هذه المرحلة، مؤكّداً «أنّ حركة «أمل» تفعل أقصى الممكن للتخفيف من وطأة النزوح على أهلنا الذين اضطرّتهم الاعتداءات الإسرائيلية إلى مغادرة منازلهم».
ويلفت بري إلى أنّ لديه ثقة تامة بأنّ النازحين سيعودون خلال 24 ساعة إلى قراهم وبلداتهم بعد انتهاء الحرب، ولو اضطرّوا إلى نصب الخيام فوق أنقاض بيوتهم، تماماً كما فعلوا بعد حرب العام 2006.
ويشيد بري بالاحتضان الوطني للنازحين في كل المناطق التي استضافتهم، حيث فُتحت لهم المنازل والمساجد والكنائس وحتى بعض الملاهي، وتلاحقت المبادرات الأهلية والفردية من كل الاتجاهات لتأمين متطلّباتهم وللتعويض عن قصور الدولة وتقصيرها، كاشفاً أنّه تُبيِّن بالتجربة أنّ كل الخطط الرسمية التي كان يُحكى عنها هي نظرية وورقية فقط ولا ترجمة أو انعكاس لها على أرض الواقع.
ويعتبر بري «أنّ هذا التعاضد العابر للطوائف والمناطق في مواجهة تحدّيات النزوح يعزّز الوحدة الوطنية والقدرة على الصمود»، لافتاً إلى أنّ تماسك الجبهة الداخلية في مثل الظروف الحالية لا يقلّ شأناً ووزناً عن الصمود على الجبهة العسكرية.
ويؤكّد بري «أنّ السلوك المشرّف للشعب اللبناني خالف توقعات العدو الإسرائيلي الذي كان يفترض أنّ الداخل لن يحتضن بيئة المقاومة بل سينقلب عليها وسيتبرّأ منها وعندها تبدأ الفتنة».
وحين يُسأل عن حجم الفراغ الذي تركه الأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصرالله باستشهاده، يجيب بتأثر وغصّة: «لا قدرة لديّ بَعد على الكلام في هذا الموضوع. فأنا والسيّد رفقة درب على امتداد 33 عاماً». ثم يضيف بعدما يستجمع قواه: «لقد قُصم ظهري».
وبالنسبة إلى مصير الملف الرئاسي، يشدّد بري على «أنّ هناك حاجة ملحّة في هذه المرحلة المفصلية إلى رئيس توافقي للجمهوربة لا يُشكّل تحدّياً لأحد»، مبدِياً استعداده التام للدعوة الفورية إلى جلسة انتخابية «عندما يتبيّن أنّ في الإمكان تأمين أكثرية 86 صوتاً لأي اسم».
وهل معنى ذلك أنّ سليمان فرنجية بات خارج السباق إلى قصر بعبدا؟ يستغرب بري هذا الاستنتاج، مشيراً إلى أنّ لعلّه يجري التوافق على انتخاب فرنجية.
ويوضح، أنّه وإزاء خطورة الموقف الحالي، لم يَعد مصِرّاً على حصول حوار قبل الانتخاب، «إذ إنّ الحوار هو مجرّد وسيلة للوصول إلى الغاية الأهم وهي انتخاب رئيس يحظى بأكبر دعم ممكن، وبالتالي إذا استطعنا أن نحقق الهدف بهذه الطريقة أو تلك، لا مشكلة، فنحن نريد أكل العنب لا قتل الناطور»
وماذا لو كان البعض يفترض أنّ موازين القوى تبدّلت، وبات في إمكانه أن يأتي بالرئيس الذي يريد بعد الحرب الإسرائيلية على لبنان واستشهاد السيد نصرالله؟
يسارع بري إلى الجزم بأنّ «كل مَن يظنّ ذلك هو واهم». ويتابع: «ليس على علمي أنّ توازنات المجلس تغيّرت، أو أنّ أحجام الكتل النيابية تبدّلت، بالتالي لا يملك أي طرف غالبية تسمح له لوحده بأن يقرّر هوية الرئيس، ولذلك ندعو إلى التوافق»…
وماذا تقول لِمَن يفترض أنّ «الثنائي الشيعي» أصبح ضعيفاً الآن؟ يردّ بري: «في ما يخصّني صحتي من نعم الله جيدة، أمّا بالنسبة إلى السيّد حسن فهو نال الشهادة التي كان يتوق إليها وهذا أكبر فوز له»…
وعن دوافع عدم دعوة أي شخصية مسيحية إلى لقاء عين التينة الذي ضمّه والرئيس نجيب ميقاتي والنائب السابق وليد جنبلاط، ما تسبّب بنقزة لدى الأوساط المسيحية، يوضّح رئيس المجلس أنّ الأمر لا يتعلّق بإقصاء أو استبعاد المكوّن المسيحي، «لكن كنّا نخشى من أن تؤدّي دعوة شخصية من دون الأخرى إلى حساسيات وتفسيرات نحن في غنى عنها». ويضيف: «على كلٍ، هذا النقص في الشكل حرصنا على تعويضه في المضمون عبر إصدار بيان وطني بامتياز، أردنا من خلاله توجيه رسائل ايجابية، ونأمل من الآخرين ملاقاتنا بالإيجاببة نفسها».
وعن تعليقه على الانطباع السائد لدى جهات معيّنة بأنّ هناك نوعاً من «ترويكا إسلامية» باتت تتفّرد بالحكم وسط غياب رئيس الجمهورية، يعتبر بري «أن لا مبرّر لمثل هذا الانطباع المغلوط، فأنا رئيس للسلطة التشريعية التي تضمّ جميع المكوّنات، ونجيب ميقاتي رئيس لحكومة تصريف أعمال ووليد جنبلاط يمثّل ما يمثّل بوطنيّته، ولذا لا يجوز تحميل الأمر أكثر ممّا يتحمل».
وقالت هذه الشخصية أمام زوارها، إنّ المخاوف من مثل هذه الخطة ستكون اكبر بكثير إن استمر غياب الوساطات الدولية، ولا سيما منها الاميركية، كما بالنسبة الى تجاوز المساعي الجارية التي اوحت بسقوط ما قال به النداء الاميركي ـ الفرنسي المدعوم من عشرات الدول الصديقة للبنان الذي أُطلق من الامم المتحدة على هامش أعمال الجمعية العمومية للأمم المتحدة. فما رافقه من اقتراحات باتت من الماضي البعيد. وبات من الصعب الفصل بين ما يجري في الجنوب وغزة، ولا فضل لأحد في ذلك، فمن أسقطها هو الجانب الإسرائيلي الذي رفض البحث بها قبل أن تقضي عليها نهائياً التوجّهات الايرانية الجديدة التي حملها وزير الخارجية الايرانية عباس عرقجي الى بيروت. فهو من احيا الربط الكامل بين جبهتي الجنوب وغزة تحت عناوين شتى لا مجال للتوقف عندها، عدا عن الربط الواجب قيامه بالردّ الاسرائيلي المحتمل على ايران والردّ على الردّ.
وختاماً، لا بدّ من الاشارة الى انّ ما تجاهلته هذه الشخصية يكمن في المعلومات التي كشفت انّ فريق عمل هوكشتاين بدأ بالتفكك عشية الانتخابات الرئاسية الأميركية، استعداداً لانتقاله الى مجالات العمل في القطاع الخاص. وما يزيد في الطين بلّة، أنّ من بين الذين تقدّموا باستقالتهم من كانت صلة الوصل بينه والشخصيات اللبنانية.