كتب خيرالله خيرالله في اساس ميديا
في كلّ يوم يمرّ، تزداد المأساة اللبنانيّة خطورة واتّساعاً وعمقاً. يظلّ أخطر ما في المرحلة الراهنة التي تمرّ بها المأساة التي يعبّر عنها انهيار مستمرّ لا قاع له، ذلك التجاهل الرسمي للواقع ورفض التعاطي معه. يتحدّث لبنان الرسمي حالياً عن تنفيذ القرار الرقم 1701، وهو قرار صادر عن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة أوقف حرب صيف 2006. القرار 1701 جيّد ومتكامل. كان فرصة ضائعة للبنان. صار البلد، في 2024، في مكان آخر يحتاج إلى مقاربة مختلفة في ضوء وجود كلّ هذا العدد من النازحين خارج بيوتهم من جهة، وفي ضوء إقامة إسرائيل شريطاً عازلاً داخل الأراضي اللبنانية على طول “الخطّ الأزرق” من جهة أخرى.
من إيجابيات الـ1701 استناده إلى القرارات الأخرى الصادرة عن مجلس الأمن في ما يخصّ لبنان، بما في ذلك القرار 1559 الذي لا يريد لبنان الرسمي السماع به لأنّه يثير حساسيّة، ليس بعدها حساسيّة، لدى “الحزب”، وبالتالي لدى “الجمهوريّة الإسلاميّة” في إيران التي أخذت على عاتقها إبقاء “الحزب” حيّاً يرزق بعد الضربات القويّة التي تلقّاها من إسرائيل. من حسنات القرار أيضاً تحديد منطقة عمليات في جنوب لبنان لا وجود فيها، أو هكذا يفترض، لسلاح غير سلاح الجيش اللبناني وأفراد القوّة الدولية المعزّزة (اليونيفيل).
يبدأ التعاطي مع الواقع بالتساؤل: هل لبنان قادر على تنفيذ القرار 1701 بكلّ بنوده أوّلاً؟ الجواب أنّ الحاجة أكثر من أيّ وقت إلى ضوء أخضر إيراني لذلك بعدما وضع “الحرس الثوري” يده كلّياً على “الحزب” الذي هو في الأصل لواء تابع له. جرت عملية وضع اليد الإيرانيّة الكاملة على “الحزب” بعد الذي فعلته إسرائيل به وبمؤسّساته كلّها من دون استثناء… وبعدما تبيّن أنّها تعرف كلّ شاردة وواردة عن بنيته وعن كلّ عضو فيه وعن مؤسّساته المالية وكلّ من هو على لائحة الرواتب التي يدفعها “الحزب” شهرياً. الخلاصة أنّ الضوء الأخضر الإيراني مستحيل. هذا يجعل الـ1701 قراراً مرتبطاً بإرادة غير لبنانيّة.
تعني الشجاعة كسر المحرّمات والذهاب بعيداً، عبر مفاوضات غير مباشرة، في اتّجاه معرفة الشروط الإسرائيلية المطلوبة من أجل عودة النازحين إلى قراهم وبلداتهم
الأهمّ من ذلك كلّه أنّ الأحداث التي بدأت في الثامن من تشرين الأوّل 2023، عندما قرّر الأمين العامّ الراحل لـ”الحزب” (حسن نصرالله) ربط مصير لبنان بمصير غزّة، غيّرت في العمق أشياء كثيرة على الأرض. غيّرت خصوصاً جنوب لبنان والبقاع والضاحية الجنوبيّة. بعد التغيير الذي حدث في جنوب لبنان والتدمير الإسرائيلي الممنهج للقرى على طول “الخطّ الأزرق”، وهو تدمير شبه كامل لهذه القرى، بات من الأجدر مطالبة لبنان المجتمع الدولي بتنفيذ القرار الرقم 425 الصارد في آذار 1978 والذي سبق لإسرائيل تنفيذه في أيّار من عام 2000 في عهد حكومة إيهود باراك. بموجب القرار 425، الذي احتاجت إسرائيل إلى 22 عاماً لتنفيذه، كان على الدولة العبريّة الانسحاب من شريط حدودي أقامته في جنوب لبنان… وصولاً إلى “الخطّ الأزرق”. يشبه ذلك الشريط ذلك الذي تقيمه حاليّاً وتسعى إلى توسيعه.
الحاجة إلى قيادة سياسية مختلفة
أكثر من أيّ وقت، ثمّة حاجة إلى قيادة سياسيّة مختلفة بدءاً بانتخاب رئيس للجمهوريّة يعرف المنطقة والعالم ويعرف خصوصاً كيفية المساعدة في تشكيل حكومة جديدة في مستوى المأساة اللبنانيّة بفصولها المختلفة.
لبنان
مرّة أخرى، تفرض الأحداث الأخيرة، خصوصاً عملية التدمير التي تمارسها إسرائيل التي تستهدف توسيع الشريط الحدودي إلي نهر الأوّلي وتدمير كلّ ما له علاقة بالدورة الاقتصادية في جنوب لبنان، مقاربة مختلفة للواقع.
لا تفيد المقاومة التي يبديها “الحزب” في مناطق جنوبيّة معيّنة في شيء بغضّ النظر عن مقتل عسكريين إسرائيليين يومياً. بقي “الحزب”، لأسباب إيرانيّة، أم لم يبقَ. في النهاية، من يعيد النازحين من أهل الجنوب إلى بيوتهم وقراهم، بما في ذلك القرى التي دمّرت عن بكرة أبيها، على طريقة تدمير إسرائيل لغزّة؟ أليس لافتاً ذلك التركيز الإسرائيلي على صور والنبطية تحديداً وعلى حارة صيدا؟
من حسنات القرار أيضاً تحديد منطقة عمليات في جنوب لبنان لا وجود فيها، أو هكذا يفترض، لسلاح غير سلاح الجيش اللبناني
هذا وقت المواقف الشجاعة. الاعتراف بالهزيمة شجاعة. الإقدام على كلّ ما هو مطلوب من لبنان كي تعود الناس إلى بيوتها شجاعة في مواجهة وضع لا يتوجّب فيه على لبنان فصل نفسه عن غزّة فحسب، بل عليه أيضاً فصل نفسه عن الحسابات الإيرانيّة.
تعني الشجاعة كسر المحرّمات والذهاب بعيداً، عبر مفاوضات غير مباشرة، في اتّجاه معرفة الشروط الإسرائيلية المطلوبة من أجل عودة النازحين إلى قراهم وبلداتهم. يحتاج الأمر أيضاً إلى شجاعة من نوع آخر تتمثّل في وضع خريطة طريق واضحة تجعل ممكناً إعادة ما تهدّم وتوفير الضمانات العربيّة والدوليّة المطلوبة كي يكون هناك سلام دائم في جنوب لبنان وكي لا تعود الضاحية الجنوبيّة مصدر قلق لأيّ دولة عربيّة. ليس سرّاً أنّ “الحزب” جعل من الضاحية ملاذاً للحوثيين في اليمن وكلّ من يمارس نشاطاً معادياً لهذه الدولة الخليجية العربيّة أو تلك.
إقرأ أيضاً: لبنان بلد يرفض تحمّل مسؤولياته
هل كثير على لبنان أن يستعيد أخيراً موقعه العربي بدل أن يكون ضحيّة أخرى للحرب الدائرة بين إيران وإسرائيل وأحد بدائل المواجهة المباشرة بينهما؟