
كتبت أميرة حمادة:
في مشهد سياسي لا يخلو من التعقيد، يقف رئيس مجلس النواب نبيه بري في موقف “لا يُحسد عليه”، محاصرًا بين ضغوط طهران من جهة ورسائل إسرائيلية نارية من جهة أخرى.
بري، الذي لطالما عُرف بدوره كوسيط وحلقة وصل بين الأطراف المتنازعة في لبنان، يجد نفسه الآن في معادلة يتقلّص فيها هامش المناورة إلى أدنى مستوياته.
فالقادة الإيرانيون، ومن بينهم ممثلون عن الحرس الثوري ووزارة الخارجية الإيرانية، سعوا الى تكثيف زياراتهم الى لبنان بعد اغتيال أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله للتأكيد على ضرورة التنسيق الكامل مع بري لضمان وحدة الصف الشيعي، مع رسائل واضحة لبري بأن الوقوف إلى جانب حزب الله في هذه المرحلة ليس خيارًا بل ضرورة استراتيجية.
هذه الزيارات تضع بري في موقف حساس للغاية؛ إذ يجد نفسه مطالبًا بإظهار التزامه تجاه المحور الإيراني، وفي الوقت ذاته يواجه تحديات داخلية ودولية تدفعه نحو لعب دور موازن يخفف وطأة الحرب على لبنان.
على الجهة الأخرى، الضربات الإسرائيلية التي تطال خلال اليومين الماضيين مناطق تابعة لبري، هي ليست موجهة لحزب الله، بل هي رسائل مشفّرة إلى بري نفسه. خاصة بعد أن صرح بري أن المطلوب هو وقف إطلاق النار وتطبيق القرار 1701 بلا حرف زائد او حرف ناقص فإسرائيل، التي تدرك موقع بري كعنصر توازن في المعادلة اللبنانية، تضغط عليه ليعمل على لجم حزب الله أو على الأقل التخفيف من حدة التصعيد والحلحلة في القرار 1701 بما يتوافق مع مصالها.
في خضم هذا المأزق، برز دعم كل من وليد جنبلاط ونجيب ميقاتي كعنصر مهم في تعزيز موقفه السياسي. وليد جنبلاط، المعروف بمرونته السياسية وحساسيته تجاه التوازنات الداخلية، أبدى دعمه لبري عبر مواقف وتصريحات دعت إلى الحفاظ على وحدة الصف الوطني وتجنب التصعيد الداخلي، مدركًا أن إضعاف بري قد يفتح الباب أمام اختلالات في الساحة اللبنانية.
من جهته، نجيب ميقاتي، بحكم موقعه كرئيس لحكومة تصريف الأعمال، حاول توفير غطاء سياسي لبري على الساحة المحلية والدولية، متجنبًا في الوقت نفسه الدخول في مواجهة مباشرة مع أي طرف.
في ظل هذه الظروف، يبقى السؤال مطروحًا: هل سيتمكن بري من البقاء في موقعه كلاعب توازن، أم أن الضغوط ستدفعه إلى اتخاذ مواقف أكثر وضوحًا تخاطر بمستقبله السياسي؟
في كل الأحوال، الأيام المقبلة وحدها ستكشف عن مدى قدرة نبيه بري على الصمود في لعبة الكبار التي قد تجعل منه لاعبًا خاسرًا أو وسيطًا منتهي الصلاحية.