كتب وليد صافي في اساس ميديا:
خاضت إسرائيل الحرب ضدّ الحزب في لبنان تحت عنوان سياسي كبير: “إضعاف إيران يبدأ بإضعاف أذرعها”. وكان أوّل أهدافها السياسية المباشرة تفتيت “وحدة الساحات”، وعزل حماس وإضعاف الحزب وتفكيك بنيته الهجومية في الجنوب. نستعرض في هذه المقالة فهم 7 عسكريين إسرائيليين للأهداف الحقيقية للحرب في لبنان، ودور الجيش في التوصّل إلى اتفاقية وقف الأعمال العدائية. بالإضافة إلى التساؤل عمّا يدور في أروقة الأمن القومي الإسرائيلي وفي رأس نتنياهو، لمعرفة ما إذا كانت الأمور تتّجه إلى استقرار الأوضاع والتوصّل إلى وقف إطلاق نار دائم أو استعداد لـ”الحرب الرابعة”... وذلك استناداً إلى مقالات كتبوها في مواقع وجرائد ومراكز أبحاث إسرائيلية خلال الأيام الأخيرة.
غاي حزوت وهو ضابط متقاعد في الجيش الإسرائيلي. في مقالته التي نشرها موقع “معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي” بعنوان “الشروط المطلوبة لإعادة سكّان الشمال إلى منازلهم: المنظور العسكري”، فنّد فيها أسباب تجنّب إسرائيل القضاء على الحزب. وذهابها إلى تسوية سياسية بدلاً من إنهائه عسكرياً.
في رأيه، أنّه قبل العملية البرّيّة، كانت أمام الجيش الإسرائيلي خيارات عدّة لتحقيق الهدف المُعلن للحرب: إعادة سكّان الشمال إلى بيوتهم. لكن تجنّب القرار القضاء على الحزب كمنظمة عسكرية، أو احتلال الأراضي حتى نهر الليطاني واعتبارها منطقة أمنيّة، نتيجة اعتبارات تتعلّق بقدرات الجيش بعد عام من الحرب وغياب الشرعية الدولية. وكان الخيار أكثر محدودية وتواضعاً: عمليّات توغّل محدودة تستهدف البنية التحتية، بهدف القضاء على تهديد الحزب لبلدات الشمال. وبناءً على ذلك، كان من الضروري توضيح هذا الأمر للجمهور الإسرائيلي، وخصوصاً لسكّان الشمال. وهو أنّ اختيار تنفيذ خطّة محدودة جعل القدرة على ترجمة الإنجازات التكتيكية إلى وضع دائم محسّن، ضمن إطار المفاوضات مع لبنان، محدودة أيضاً.
خاضت إسرائيل الحرب ضدّ الحزب في لبنان تحت عنوان سياسي كبير: “إضعاف إيران يبدأ بإضعاف أذرعها”. وكان أوّل أهدافها السياسية المباشرة تفتيت “وحدة الساحات”
الاتّفاق السّياسيّ حاجة لوقف الحرب
حدّد نتنياهو ثلاثة شروط كانت وراء الاتّفاق مع لبنان، وهي:
- التفرّغ للمواجهة مع إيران.
- عزل حماس بعد فصل المسار اللبناني عن غزّة.
- وتجديد مخازن الجيش الإسرائيلي.
ما حاول نتنياهو إخفاءه كشف عنه غاي حزوت في المقالة ذاتها. إذ كتب أنّ “الجيش الإسرائيلي أنّ استنفد أهدافه في العملية البرّية، من حيث تدمير البنية التحتية الهجومية. ومهاجمة الخطّ الثالث لن يكون له تأثير كبير في الاتفاق المقترح. والحزب أظهر علامات تعافٍ من الضربات التي تلقّاها. إذ بات قادراً على الردّ على الغارات الجوّية والعمليات البرّية بتوسيع نطاق إطلاق النار في اتّجاه إسرائيل. سواء من حيث الكمّية أو المدى. وبعث رسائل تفيد بقدرته على الاستمرار في هذا النهج. ونظراً إلى طبيعة المعركة في لبنان، التي لا تهدف إلى تحقيق حسم عسكري جذري، فإنّ توسيعها إلى الخطّ الثالث من القرى، لن يغيّر .الأوضاع بصورة جوهرية. من هنا كانت الحاجة إلى إنهاء الحرب عبر اتّفاق سياسي واضح”.
وأضاف الكاتب أنّ إسرائيل كانت تتوقّع من الإدارة الأميركية المقبلة، مع دخول الرئيس ترامب البيت الأبيض في كانون الثاني المقبل، إنهاء الحرب في الشمال قبل موعد تنصيبه. ومن الواضح أنّ إسرائيل ليست معنيّة بتصعيد التوتّر مع الرئيس الجديد – القديم في بداية ولايته. بالإضافة إلى ذلك، فإنّ هناك تحدّياً آخر كامناً في جهوزية الجيش الإسرائيلي، سواء من حيث القوى العاملة أو الأسلحة والذخائر. بعد استنزافه على مدار أكثر من عام من الحرب. وتُبرز هذه القيود الحاجة الملحّة إلى إنهاء الحرب في الشمال عبر التوصّل إلى اتفاق سياسي. وهو مصلحة مشتركة لجميع الأطراف، بما في ذلك إيران.
الاتّفاق مع لبنان منح إسرائيل سلسلة إيجابيات، وفرصة لترجمة الإنجازات العسكرية الواضحة في المعركة مع الحزب إلى وضع استراتيجي أفضل
اتّفاق مع خطوط حمر
كما أنّ “الاتّفاق مع لبنان منح إسرائيل سلسلة إيجابيات، وفرصة لترجمة الإنجازات العسكرية الواضحة في المعركة مع الحزب إلى وضع استراتيجي أفضل. وهذه خطوة صحيحة. وهذا طبعاً أفضل إذا ما تمّت مقارنته بالبديل. وهو حرب استنزاف طويلة وغرق في الوحل اللبناني خلال الشتاء. إضافة لمجمل الجبهات ووضع الاقتصاد والمجتمع في إسرائيل. والخلاصات بشأن طبيعة أيّ اتّفاق جديد واضحة”:
- أوّلاً، يجب ضمان تطبيق رقابة دولية أكثر صرامة للاتّفاق، ومنع انتهاكات الحزب.
- ثانياً، يتعيّن على إسرائيل استثمار موارد كبيرة في جمع المعلومات الاستخبارية التفصيلية بشأن محاولات الانتهاك من جانب الحزب.
- ثالثاً، بغضّ النظر عن محتوى الاتّفاق، يجب أن تحتفظ إسرائيل بحرّيتها في التحرّك العسكري لإحباط إعادة تسليح الحزب أو تعزيز قوّته. ويجب أن تكون الردود الإسرائيلية فورية على كلّ انتهاك، صغيراً كان أم كبيراً.
- كما يشمل صوغ “خطوط حمر” إسرائيلية لاتفاقية 1701 المجدّدة، تطبيقاً أكثر فعّالية على الجانب اللبناني من الحدود، وإشرافاً استخبارياً إسرائيلياً دقيقاً. وأهمّ من ذلك سياسة صارمة لا تسمح بأيّ محاولة من جانب الحزب للعودة إلى منطقة خطّ الحدود أو إعادة بناء البنى التحتية التي دمّرها الجيش الإسرائيلي.
سيقوم الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب بضبط نتنياهو على إيقاع أجندته التي تتّجه إلى وقف الحروب
منطقة عازلة مقابل نزع سلاح الحزب
هكذا جاء الاتّفاق كما أراده الجيش الإسرائيلي. وحصلت إسرائيل على موافقة الأميركيين على حرّية التحرّك والإشراف الاستخباري لمنع تجديد الحزب لبنيته العسكرية.
هنا يستعرض عاموس بادلين (رئيس أسبق لجهاز الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية) وأودي فينتال (عقيد احتياط في الجيش) في مقالة مشتركة على موقع القناة 12 العبرية.، بعنوان: “الاتّفاق مع لبنان يمنح إسرائيل تفوُّقاً مهمّاً.. على الطريق للوصول إلى الهدف الأكبر للحرب”. .فهما يقولان إنّ إعادة سكّان الشمال تصطدم بعدم شعورهم بالعودة الآمنة، وأنّ الخروقات الإسرائيلية للاتّفاق تطرح علامات استفهام كبيرة. وتأتي المخاوف ممّا يدور في رأس نتنياهو حالياً على وقع ما يطرحه بعض ضبّاط الجيش، ومنه ما عبّر عنه غابي سيبوني (عقيد احتياط في الجيش الإسرائيلي)، في مقالة بعنوان: “الحسم أوّلاً، ثمّ التسوية”، المنشورة في “معهد القدس للاستراتيجية والأمن”. فهو يدعو إلى “إنشاء منطقة أمنيّة عازلة خالية من السكّان الشيعة حتى نهر الليطاني. إلى أن يتمّ نزع سلاح الحزب بالكامل من كلّ أنحاء لبنان”.
التّسويق للحرب المقبلة
يفترض أن تكون العيون شاخصة نحو التطوّرات العسكرية التي تجري في الشمال السوري، لكنّ المشهد الآخذ بالتشكّل عقب الاتّفاق مع لبنان، الذي كان للجيش الإسرائيلي الدور الحاسم فيه، يطرح العديد من التساؤلات في ما يتعلّق بمدى التزام إسرائيل به إذا لم يؤدِّ إلى نزع سلاح الحزب. بالإضافة إلى وجود نيّة إيرانية لإعادة تسليحه بسرعة. ويبدو أنّ هناك توجّهاً في إسرائيل للتسويق “للحرب المقبلة”، تحت الذرائع المذكورة أعلاه.
قد يتحوّل اتّفاق وقف الأعمال العدائية إلى وقف إطلاق نار دائم. لكنّ احتمال استعداد إسرائيل للحرب المقبلة يبقى قائماً بشدّة
في هذا الإطار، كتب مايكل أورن (مؤرّخ وكاتب إسرائيلي، وسفير إسرائيل الأسبق في الولايات المتّحدة الأميركية) في “يديعوت أحرونوت” بعنوان: “بين الاتّفاق مع لبنان واتّفاقات أوسلو”.، آملاً أن “يتحوّل وقف إطلاق النار إلى وقف دائم. لكنّني مدرك أنّ الأرضية قد أُعدّت للحرب المقبلة”. وجاء عنوان مقالة البروفسور أميتسا برعام (متخصّص بتاريخ العراق والحركات الإسلامية) في صحيفة معاريف: “إذا لم ننزع سلاح الحزب، فلن يكون الاتّفاق سوى مقدّمة لحرب لبنان الرابعة”.
كذلك كتب مئير بن شبات (رئيس مجلس الأمن القومي سابقاً) في “يسرائيل هيوم” بعنوان: “سيحاول الحزب استعادة كرامته”، قائلاً: “أنهى اتّفاق وقف إطلاق النار فصلاً من القتال الحاليّ في الصراع الطويل مع الحزب. لكنّه فتح المعركة التي ستحدّد موعد المواجهة المقبلة. وهي المعركة ضدّ جهود الحزب لاستعادة قوّته”.
.