كتب كريم حمادي في النهار :
ما هي أسباب الهجرة الجماعية للشركات من سوق لندن المالية؟، ولماذا تنزح الشركات الآن؟، وإلى أين تذهب؟، وما هي توقعات الخبراء لسوق الطروحات الأولية في لندن خلال 2025؟
شهدت سوق الطروحات الأولية في لندن خلال عام 2024 أكبر نزوح للشركات منذ الأزمة المالية العالمية عام 2009، حيث ألغت أو نقلت 88 شركة إدراجها خارج السوق المالية، فيما انضمت 18 شركة فقط للسوق، وقدّرت قيمة الشركات المُدرجة المستعدة لمغادرة سوق الأسهم البريطانية خلال عام 2024 بقيمة 100 مليار جنيه إسترليني (126.24 مليار دولار) إما عبر صفقات استحواذ بعضها تتضمن علاوات مرتفعة، أو من خلال شطب إدراجها، وفقاً لبيانات بورصة لندن والتي نشرتها صحيفة فاينانشيال تايمز البريطانية، وهو ما يثير تساؤلات ما هي أسباب الهجرة الجماعية للشركات من سوق لندن المالية؟، ولماذا تنزح الشركات الآن؟، وإلى أين تذهب؟، وما هي توقعات الخبراء لسوق الطروحات الأولية في لندن خلال 2025؟
أظهرت بيانات جمعتها بلومبرغ حتى نهاية تشرين الثاني (نوفمبر) 2024، انخفاض في عمليات جمع التمويل من الطروحات العامة الأولية في بورصة لندن التي تأسست قبل 300 عام بنسبة 9% تقريباً هذا العام لتصل إلى مليار دولار، ما أدى إلى تراجع المملكة المتحدة أربع مراتب لتحتل المركز الـ20 في تصنيف أسواق الطروحات الأولية على مستوى العالم.
ترامب وسرّ نزوح الشركات من بورصة لندن
قال ياسر غُريّب، المحلل التقني والمالي للأسواق المالية العالمية، لـ “النهار” إن تخارج الشركات من سوق لندن المالية كان متوقعاً منذ سنوات والشركات تتخارج من بورصة لندن ولكن بوتيرة بطيئة وما شهدناه في عام 2024 من النزوح الجماعي للشركات سببه الرئيسي هو مؤشرات اقتراب دونالد ترامب من السلطة على مدار العام والتي انتهت بفوزه بالانتخابات وإعلان توليه حكم الولايات المتحد في كانون الثاني (يناير) 2025.
وأضاف غٌريّب أنه على مدار 8 سنوات وتحديداً منذ ولاية ترامب الأولى كان يعمل الرئيس الأميركي على جذب الشركات إلى بورصة نيويورك وتذليل العقبات لها، وكان يحرص على إجراء لقاءات مع الرؤساء التنفيذيين لمعرفة التحديات التي تواجههم في السوق الأميركية، ويشدد على ضرورة عودة الشركات الأميركية العاملة في الخارج إلى الولايات المتحدة، وفي المقابل كانت لندن تخرج من الاتحاد الأوروبي وشهدت مظاهرات عمالية وتعرضت شركات النقل لانتكاسة عقب “البريكست”، ورغم ذلك لم تتحرك بورصة لندن لحماية المستثمرين أو تيسير إجراءات الطرح والاستثمار والضرائب لجذب الشركات الجديدة.
وبسؤاله عن سبب النزوح الجماعي للشركات الآن، قال غُريّب إن السبب هو فوز ترامب برئاسة الولايات المتحدة لذلك “جميع الشركات سواء الأميركية العاملة بالخارج أو حتى الأوروبية بدأت تشد الرحال إلى وول ستريت، تلك الأسوق المالية الرأسمالية التي تتمتع بسيولة مالية ضخمة وإجراءات طرح ميسّرة ومزايا ضريبية”.
إلى أين تذهب الشركات؟
ويرى المحلل التقني والمالي للأسواق المالية العالمية، إن الوجهة الأولى للشركات النازحة من سوق لندن المالية هي بورصة نيويورك نظراً للدعم التي تتلقاه من ترامب وكذلك المزايا الضريبية وحجم السوق وانخفاض تكلفة رأس المال والطاقة، والعوائد المرتفعة، والتعريفات التفضيلية، وبحسب بلومبرغ بلغ حجم التمويل من الطروحات الأولية خلال عام 2024 (حتى 30 تشرين الثاني 2024) في الولايات المتحدة 40.9 مليار مقابل مليار دولار فقط في بريطانيا، وفي آسيا والمحيط الهادئ جمعت أسواق المال من الطروحات الأولية 58.5 مليار دولار، وفي الشرق الأوسط وأفريقيا 12.6 مليار دولار، وفي بقية دول أوروبا 18.6 مليار دولار، و0.8 مليار دولار في بقية الأسواق المالية الأخرى.
وفيما يلي تصنيف أكبر 10 دول حول العالم في حجم التمويل من الطروحات الأولية خلال 2024:
الولايات المتحدة 40.89 مليار دولار
الهند 17.5 مليار دولار
الصين 15.15 مليار دولار
هونغ كونغ 10.14 مليار دولار
الإمارات 6.18 مليار دولار
اليابان 5.3 مليارات دولار
السعودية 3.41 مليارات دولار
إسبانيا 3.17 مليار دولار
كوريا الجنوبية 3.15 مليار دولار
سويسرا 2.61 مليار دولار
تفوّق إماراتي سعودي على بورصة لندن في طروحات 2024
وعلى صعيد الدول العربية تصدرت الإمارات قائمة أسواق المال العربية التي جمعت تمويلات من الأطروحات الأولية خلال عام 2024 (حتى 30 تشرين الثاني) بقيمة 6.2 مليار دولار لتأتي في المركز الأول عربياً والخامس عالمياً، وحصلت السعودية على 3.4 مليارات دولار وجاءت بالمركز الثاني عربياً والسابع عالمياً، وجمعت سلطنة عُمان 2.1 مليار دولار لتأتي بالمرتبة الثالثة عربياً والرابعة عشر عالمياً.
4 أسباب وراء هجرة الشركات من بورصة لندن
1- التداول الضعيف يدفع الشركات للتخارج
قال كزافييه روليه، الرئيس السابق لبورصة لندن بين عامَي 2009 و2017، في تصريحات لصحيفة “التليغراف” إن التداول الضعيف في لندن يمثل تهديداً حقيقياً يدفع عدداً من الشركات البريطانية إلى التخلي عن إدراجها في العاصمة؛ بحثاً عن عوائد أفضل في أسواق أخرى.
وأضاف أن انخفاض أحجام التداول في لندن خلال السنوات الأخيرة، مقارنة مع الارتفاع الحاد في بورصة نيويورك، دفع الشركات إلى تسعير أسهمها بأسعار أقل في المملكة المتحدة لجذب المستثمرين.
2- تجنّب التقييمات المنخفضة
تتجنب الشركات التي تفكر في الطرح العام الأولي (IPO) التقييمات المنخفضة نسبياً مقارنة بالأسواق المالية الأخرى؛ لإن التقييمات المنخفضة لسوق أحجام التداول به متواضعة تجبر الشركات المقبلة على الاكتتاب في البورصة على خفض سعر الطرح، وحتى بعد الاكتتاب تتأثر أسهم هذه الشركات سلباً بالسيولة المنخفضة للسوق المالية، وهو ما نشهده حالياً في بورصة لندن التي أصبحت غير تنافسية بشكل كامل.
3- الإجراءات البيروقراطية
يرى روليه أن الإجراءات البيروقراطية من الأسباب الرئيسية لنزوح الشركات من سوق الأطروحات الأولية في بورصة لندن، مطالباً بضرورة التخلص من الإجراءات التي تمنع صناديق التقاعد من امتلاك الأسهم، بالإضافة إلى ضرورة خفض الضرائب على تداول الأسهم وتوزيعات الأرباح.
4- جاذبية الأسواق المالية الأخرى
تسعى الأسواق المالية العالمية وعلى رأسها بورصة نيويورك إلى جذب الشركات لها، والأمر نفسه نشهده في منطقة الخليج عندما بدأت أبوظبي ودبي في جذب الشركات للإمارات وانتقلت التجربة في وقت قصير إلى السعودية وحتى سلطنة عُمان اليوم تستقطب كبرى الشركات لها، وفي آسيا أيضاً نجد ماليزيا تقدم مزايا ضريبية وتيسير لإجراءات التأسيس لم نشهدها في بورصة لندن، التي بدأت مؤخراً في ظل نزوح الشركات العالمية منها إلى تشديد إجراءات تخارج الشركات حتى تحد من عمليات النزوح الجماعي؛ لكن هذا الأمر يعود بالسلب سواء على المستثمرين الحاليين الذين أصبحوا عالقين في بورصة لندن والمستثمرين الجدد المتخوفين من تشديد إجراءات التخارج.
ويتوقّع غُريب أن تشهد بورصة لندن مزيداً من النزوح للشركات المُدرجة أو التي لديها الرغبة في الطرح خلال عام 2025، في ظل ضعف أحجام التداول في بورصة لندن التي تقدر قيمتها السوقية بـ 61.2 مليار جنيه إسترليني (77.8 مليار دولار)، في حين تقدر القيمة السوقية لبورصة نيويورك الأميركية بقيمة 28.3 تريليون دولار.
وقال إن السياسات المالية في سوق المال البريطانية تحتاج للمراجعة ومزيداً من المرونة والدعم للشركات في أظل استمرار أزمات العمال وسلاسل الإمداد وقطاع النقل والتكنولوجيا عقب خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي والتي يرجّح غُريّب أن تعود المملكة المتحدة أدراجها بشأن العودة إلى الاتحاد بعد الانتكاسات المتتالية التي يتعرض لها اقتصاد المملكة.
وفي محاولة بريطانية لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، اتخذت السلطات البريطانية خطوات لإنعاش السوق، حيث نفذت خلال العام الجاري أكبر عملية إصلاح لقواعد الإدراج منذ أكثر من 3 عقود، بحيث تسهل على الشركات امتلاك فئتين من الأسهم في محاولة لإقناع مزيد من شركات التكنولوجيا بإدراج أسهمها بالبورصة. كما أنها توفر مزيداً من المرونة في عملية الإفصاح عن المعاملات المهمة، كما تعهد رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر بإلغاء اللوائح التي تعيق النمو الاقتصادي في محاولة لطمأنة المستثمرين الدوليين، بحسب بلومبرغ.