![](https://lebanonajel.com/wp-content/uploads/2025/02/nawaf-780x470.jpg)
كتب نقولا ناصيف في اساس ميديا :
مع أنّها أولى حكومات ولاية رئيس جديد للجمهوريّة، يفترض التقليد الشائع عبر المرّات المتواترة أن تكون حكومته هو والرئيس المكلّف. إلّا أنّه من غير المنطقي منذ ما بعد اتّفاق الدوحة توقّع تأليف حكومة لا تجبهها “فجعنة” الكتل والأحزاب، ولا تصدمها مغالاة الرئيس المكلّف في تقليل أهمّية الصعوبات التي تنتظره. تصبح المشكلة معقّدة أكثر وتهدر الكثير من الوقت عندما يريد الرئيس المكلّف، المثقّف الأكاديمي المسكون بالنصوص والأحكام، النوم مع الضباع في سرير واحد.
أفضل تصوّر للطريقة التي يتّبعها الرئيس المكلّف نوّاف سلام في تأليف أولى حكومات العهد، أخذ عامليْن رئيسيَّين في الاعتبار:
– أوّلهما على صلة بما يُطلق عليه “البورجوازي الأحمر”، الخارج من بيت سياسي تقليدي عريق، لكنّه مشبع بالعقائد وثقافات اليسار وخيارات التحوّلات والتغيير. غالباً ما طبع اللون الأحمر شخصيّات وُصفت بتغريدها خارج سربها من غير أن تنقضّ عليه، أو تتنصّل منه، بل تلتصق به. لكن قيل إنّ أفكار أصحابها فيها من اليسار ما يستحقّ الجدل فيها: “الجنرال الأحمر” لجميل لحّود، و”الأسقف الأحمر” لغريغوار حدّاد، و”الماروني الأحمر” لميشال إدّه، و”البيك الأحمر” لسمير فرنجية.
-ثانيهما أنّ الرئيس المكلّف من خارج نادي رؤساء الحكومات، مع أنّه ابن بيت تاريخي مؤسّس في النادي منذ عام 1952. يشبه ظهور سلام أوّل ظهور لسليم الحص عام 1976 حين كان غريباً عن المكان الذي يدخله وعن شاغليه قبل أن يمسي مخضرماً فيه.
يشبه حسّان دياب في المواصفات التي قادته إلى المنصب الجديد، بفارق أنّه ليس ابن تجربة سياسية سابقة
يشبه حسّان دياب في المنهج الأكاديميّ
يشبه حسّان دياب في المواصفات التي قادته إلى المنصب الجديد، بفارق أنّه ليس ابن تجربة سياسية سابقة كذاك عام 2011، ويجمعهما المنهج الأكاديمي وجدل التجارب ونقدها. ليس من المتعاقبين على رئاسة الحكومة منذ اتّفاق الطائف من طراز رَجلَي الأعمال رفيق الحريري ونجيب ميقاتي، ولا من وارثيْ الموقع في بيوتهم كعمر كرامي ورشيد الصلح وسعد الحريري وتمّام سلام، ولا حتماً ممّن أتت بهم الأقدار الصعبة كفؤاد السنيورة.
ما لا يُفترض أن يغفله الرئيس المكلّف هو أنّه من صنع لحظة استثنائية أُريد لها أن تقوده إلى السراي. لم يكن حتّى عشيّة تسميته جزءاً من المشروع الدولي العربي الذي أوصل الرئيس جوزف عون إلى رئاسة الجمهورية على وفرة العقبات التي جبهها. إلّا أنّ سلام أضحى أخيراً في صلب المشروع.
ماذا يقول سلام أمام زوّاره؟
ثاني ذيْنك العامليْن ليس أقلّ أهمّية من الأوّل. يضمّ مغزى هو ما يدلي به الرئيس المكلّف أمام بعض مَن يلتقي بهم:
1 ـ تذكيره بيوم تبلّغه تكليفه في 14 كانون الثاني، غداة التسمية، وظهوره أمام الصحافة يدلي ببيانه رافعاً عن عمد الدستور، كي يؤكّد تمسّكه والتزامه أحكامه، مستعيداً ضمناً عبارة لم تفارق ولاية فؤاد شهاب: “ماذا يقول الكتاب؟”.
2 ـ قوله إنّ الدستور ينيط به وحده تأليف الحكومة. وهو حقّه وصاحب السلطة المقيِّدة المعطاة له بموجبه. لرئيس الجمهورية، صاحب التوقيع الملزم على المراسيم، أن يرفض المسوّدة فلا يمهرها، أو يطلب تعديلها، أو يوافق عليها. ليس له أن يفرض ما لا يقبل به الرئيس المكلّف بحكم الصلاحية المقيِّدة. في نهاية المطاف تصدر المراسيم بتوقيع الرئيسيْن الذي يفترض اتّفاقهما النهائي على المسوّدة. لرئيس الجمهورية حقّ الرفض والاقتراح لا حقّ الفرض.
سلام بين أحد خياريْن: حكومة مهمة أو حكومة شركاؤه والرئيس فيها الضباع
3 ـ ليست له الصلاحيّة المقيِّدة أن يعدّ بمفرده المسوّدة ويعرضها على رئيس الجمهورية ويصغي إلى ملاحظاته فحسب، بل حقّ الرأي في الأسماء التي يقترحها الرئيس لحقائب حصّته يتطلّب أن يوافق عليها الرئيس المكلّف أو يعترض أو يقترح. حصل وجه الاعتراض على تسمية عون اللواء المتقاعد ميلاد إسحق وزيراً للدفاع فاستبعده سلام، فكان أن حلّ محلّه اللواء المتقاعد ميشال منسّى. كلاهما كانا في منصب المفتّش العامّ للجيش في المجلس العسكري.
بدوره الرئيس المكلّف اقترح السفير السابق ورئيس بعثة الجامعة العربية في باريس ناجي أبي عاصي لحقيبة الخارجية، وكانت جمعتهما علاقة تعود إلى أيّام تولّي أبي عاصي مديرية الشؤون السياسية في وزارة الخارجية وسلام رئاسة بعثة لبنان لدى الأمم المتحدة عام 2007.
ضمان السُّنّة
4 ـ تأكيده أنّه هو ضمان السنّة وتمثيلهم لوجوده على رأس الشرعية الدستورية الممثّلة للطائفة في النظام، لأنّ تسميته أتت بموافقة نوّابها، يقتضي أن يكون موضع ثقتهم في اختياره الوزراء السنّة الأربعة الآخرين في الحكومة وتخفيف غلواء الاعتراض.
5 ـ بالاتّفاق مع رئيس الجمهورية، لا حكومة أمر واقع سيصدرانها، بل حكومة تأخذ في الاعتبار المرحلة اللبنانية الجديدة وتحدّياتها بدءاً بالالتزام المعطى إلى المجتمع الدولي بتنفيذ القرار 1701 بناء على اتّفاق وقف النار، وورشة إعادة بناء الداخل. أحد أبرز عناصر الحاجة إليها ائتلافية دونما أن تكون حكومة أحزاب، وفرة النصائح التي سمعها سلام باستيعاب الطائفة الشيعية من خلال ثنائي “الحزب” وحركة أمل.
النصيحة السديدة الأكثر جدّية هي التحاور مع الرئيس نبيه برّي، والأخذ بالتعهّد المبرم سابقاً متلازماً مع بقاء ميقاتي في السراي بوضع حقيبة المال في الحصّة الشيعية.
لم يكن رئيس الجمهورية بعيداً من ذاك التفاهم منذ ما قبل انتخابه، ثمّ توقّعه بعد الانتخاب، انطلاقاً من حسبان أنّ شريكه في الحكم هو رئيس حكومة تصريف الأعمال.
يتصرّف سلام على أنّ الدستور ينيط به وحده تأليف الحكومة، وهو حقه وصاحب السلطة المقيِّدة المعطاة له
يريد حكومة مهمّة… لكنّه واقعيّ
في الأيّام الأولى للتكليف نُسِبَ إلى سلام قوله، هو الآتي من الاتّجاه المعاكس، إنّه غير معنيّ بتفاهمات لم يكن طرفاً فيها، في إشارة إلى تلك. فيما بعد، بدا أكثر واقعية على الرغم من رغبته في تأليف “حكومة مهمّة” تعمل كفريق عمل متجانس خارج الأعراف، على غرار ما يحدث في بلدان تمرّ بحقبة أخطار وتحدّيات، فعزّز الحاجة إلى تلك التفاهمات، وهو ما ردّده السفير السعودي وليد البخاري أكثر من مرّة أمام زوّاره بقوله إنّ بلاده لا تريد فتنة سنّية أو شيعية في لبنان.
6 ـ بوثوق يتحدّث الرئيس المكلّف عن أنّ حكومته ما إن تمثل أمام مجلس النواب ستحوز الثقة بما بين 85 إلى 90 صوتاً بفعل طبيعة الائتلافات الداخلية المحيطة بها، علاوة على الزخميْن الدولي والعربي وتأثيرهما المباشر على توفير أوسع دعم لرئيسَيْ الجمهورية والحكومة، وهما ثمرتاهما الرئيسيتان ورهانهما عليهما.