سلايدات

الفدرالية تتمدّد من معاقل جبل لبنان إلى رحاب عكّار

كتب طوني عطية   في نداء وطن:

دَخل عضو تكتّل “الاعتدال الوطنيّ” النائب وليد البعريني حلبة كَسر “التابوهات”. هذه المرّة، خرج نداء الفدرالية من معاقل جبل لبنان ووصل صداه إلى رحاب عكّار. لعقود خلت، كان الحديث عن الدولة الاتحادية تُهمة تخريبيّة، صهيونيّة انعزاليّة، حيث ساهم أكاديميون وحقوقيون وسياسيّون من نوّاب ومشرّعين ووزراء، في تخوينها عن جهلٍ أو عن قصدٍ، ضاربين بذلك، أبجديات العلوم السياسية والدستورية والاجتماعية، في حين تُصنّف الفدرالية ضمن أرقى ما توصّل إليه الفكر السياسي الموائم للمجتمعات التعدّدية. تخيّل لو أنّ مشيطنيها يحاضرون في الولايات المتحدة أو سويسرا أو بلجيكا أو حتى في فرنسا (رمز الدولة المركزية)، واعتبروا أن الفدرالية هي مشروع تقسيميّ يناقض الوحدة الوطنية أو يضرب فكرة الدولة، وكل تلك المعزوفة التي لوّثت قاموسنا، سيُصاب المستمعون حتماً بذهول مرير، وسيكتشفون أسباب العقم اللبناني المزمن، حتى لو كانوا غافلين عن واقعنا السياسي، فالأزمات الجوهرية مردّها إلى تشوّهٍ عميق في المفاهيم والمصطلحات.

البعريني الذي يلتزم الصمت بعد خطاب الأحد، تسأله “نداء الوطن” عن توقيت مطالبته بالفدرالية وأهدافه، فيجيب على طريقة البطريرك الراحل مار نصراللّه بطرس صفير: “لقد قلنا ما قلناه”. ويضيف أنّ “ما يحرق قلبي هو سؤال أي مواطن عكّاري عندما ألتقيه، لماذا يعاملوننا بهذه الطريقة ويظلموننا؟”، مؤكّداً أنّ “القصّة أبعد من وزارة، أصبحنا في مكان مختلف تماماً”. ويشدّد على “أنّ عكّار مظلومة مثل مناطق عدّة في الأرياف والأطراف، وإذا كانت الفدرالية ترفع الظلم ونحن واثقون بهذا، فنحن معها. لقد أثبتنا للعالم أننا لا نطرحها بلحظة غضب، بل قلناها وكرّرناها مرّة واثنتين وثلاثاً”. ولفت إلى أن “البعض استفزّه طرحنا الفدرالية، فإذا كان الخلاف على التسمية فليكن، طبّقوا اتفاق “الطائف” واذهبوا إلى اللامركزية الموسّعة، أو أن البعض يريد التقوقع والتسمّر في الدولة المركزية، ليستمرّ بالقبض على مراكز القرار السياسي والمالي”. ويؤكّد “أننا كسرنا كل المحرّمات وفتحنا باباً للنقاش الواسع، ونحن نريد البقاء تحت سقف المؤسسات والدستور”.

وبعد ازدحام “المطعم السياسي اللبناني” بِطاولات وموائد حوار بلا طعم ولا فيتامينات، تقدّم البعريني بجرأته على العديد من السياسيين، متمنّياً على رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون “الذي لنا ثقة فيه، رعاية طاولة حوار تطرح هذه المسائل الوطنية الجوهرية، أكانت تحت مصطلح الفدرالية أم اللامركزية السياسية الموسّعة (فليختاروا التسمية التي يريدونها)”. ودعا في السياق ذاته، “القوى السياسية المؤمنة بالتعدّدية وتطوير النظام لملاقاتنا إلى منتصف الطريق، فنحن نطرح الأمور بشجاعة ومن دون خجل أو مواربة”.

وإذا كان البعض يُسجّل على البعريني، أن مواقفه الأخيرة هي مجرّد ردّة فعل على تهميش عكّار المنسيّة، فتجدر الإشارة إلى أنّ الفدرالية عندما طرحها منظّروها ومفكّروها، كانت ردّة فعل على طغيانية الشرق من جهة، واستجابة طبيعية لتركيبة لبنان المتنوّع من جهة أخرى، كما أنّ “ردّة الفعل” هذه، وفق علوم المنطق والمنهجيات السياسية أمر مشروع، فَوَثبات التغيير تنطلق من ردّة فعلٍ على فعلٍ أو واقعٍ غير طبيعيَيْن.

أمّا أهمية الطرح الذي أعلنه البعريني، فتكمن منفعته العمليّة، في أنه يُشكّل رافعة منهجيّة في تقدّم المشروع، لأنّ نجاح الفدرالية يتطلّب إلى جانب معيار التوافق السياسي المحلّي والخارجي (غير المتوفّر حتى الآن)، توسيع الحاضنة الجماهيرية المؤيّدة له، فنائب عكّار وكتلة “الاعتدال” يجسّدان حالة شعبية واسعة، نظراً إلى التنوّع الطائفي شمالاً من ناحية، والعصب السنّي تحديداً من ناحية أخرى، بعدما كانت مُناصَرَة الفدرالية محصورة إلى حدّ ما ولزمنٍ بعيدٍ داخل المجتمع المسيحيّ. واللافت في هذا الإطار، هو تفاعل العكّاريين وغيرهم، أكان عبر السوشيل ميديا أم من خلال اللقاءات الشخصية مع البعريني، ما يُشكّل فرصة جديدة أمام انتشار الفكر الفدرالي وتمدّده طوائفياً ومناطقيّاً، عبر تدرّجه من عالم النُخب السياسية والأكاديمية التي ناضلت طويلاً في سبيله إلى ثقافة جماهيرية، إذا، أُحْسِنَ وفق أحد الفدراليين، مواكبة هذا التأييد الشعبي العكّاري ومدّه بحلقات نقاش وتثقيف لترسيخ الفكرة في تربة عكّار الخصبة، وعدم الاستخفاف بهذه الظاهرة التي تنمو وتنتشر في الأرياف والأطراف المهمّشة، مثنياً على شجاعة البعريني، قائلاً: “وحدها الأسماك الحيّة تسير عكس التيّار”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى