
كتب وليد صافي في اساس ميديا :
يتّهم عدد كبير من المحلّلين السياسيين والعسكريين الإسرائيليين بنيامين نتنياهو بإضاعة الفرص وعدم تبنّي استراتيجية سياسية تستثمر الإنجازات العسكرية التي حقّقها الجيش في غزة ولبنان. يجادل الإسرائيليون في هذه الأيام في موضوع الانتقال إلى المرحلة الثانية من صفقة التبادل مع حماس. إذ ترى الغالبيّة منهم أنّ الانتقال إلى هذه المرحلة سيؤدّي حتماً إلى وقف الحرب. لكنّ اليمين المتطرّف يعتقد بأنّ وقف الحرب حاليّاً يؤدّي إلى خسارة أهمّ الأهداف، وهو القضاء على حماس، ولذا يناورون مع نتنياهو لتجنّب هذه الكأس المرّة.
كيف ينظر الإسرائيليون إلى تحدّيات الانتقال إلى المرحلة الثانية في غزة تحت ضغط دونالد ترامب وإدارته؟ وهل تختم هذه المرحلة الحرب؟ وهل يتمّ إخضاع حماس وعزلها عن إدارة القطاع؟ وماذا عن حلّ الدولتين؟
إعلان دونالد ترامب أنّه لا يريد فرض خطّته في غزّة، سبقه تصريح لمبعوثه إلى الشرق الأوسط ستيف ويتكوف يقول فيه إنّ “الخطّة لا تهدف إلى تهجير الفلسطينيين، بل إلى تحسين أوضاعهم، وفتح أبواب الحلول”. تقول حكومة نتنياهو إنّ الجيش الإسرائيلي يحضّر لإنشاء وحدة متخصّصة في تنظيم الهجرة الطوعية، فيما وزير المال بتسلئيل سموتريتش يصرّح بأنّ تهجير الفلسطينيين سيبدأ في الأسابيع المقبلة.
بانتظار القمّة العربية التي ستُعقد بعد أسبوع في مصر لمعرفة محتوى الخطّة المصرية العربية وردود الفعل الأميركية والإسرائيلية عليها، فإنّ الإجماع بين الإسرائيليين على إخضاع حماس وإخراجها من المعادلة، صار من الثوابت عندهم في أيّ حلّ مقترح.
يتّهم عدد كبير من المحلّلين السياسيين والعسكريين الإسرائيليين بنيامين نتنياهو بإضاعة الفرص وعدم تبنّي استراتيجية سياسية تستثمر الإنجازات العسكرية
يتركّز الجدال بينهم حاليّاً على سؤال يتعلّق بكيفية إخضاع حماس: فهل يتمّ ذلك بإطالة المرحلة الأولى وافتعال العودة إلى الحرب كما يرغب اليمين المتطرّف في حكومة نتنياهو، أم بالانتقال إلى المرحلة الثانية وتحرير الحدّ الأقصى من المحتجزين، ثمّ استئناف الحرب؟
في هذا الإطار كتب هرئيل جوزف على موقع القناة 12 العبرية مقالةً بعنوان “المرحلة “ب” من الصفقة ليست نهاية الحرب… إنّما المفتاح لإخضاع حماس”.
استراتيجية حماس: الحفاظ على مكانتها
يستعرض الكاتب في مقالته رهانات حماس على المرحلة “أ” ويوجزها بالتالي:
- تخفيف الضغط العسكري عن رقبتها.
- الاستمرار في إدخال الكثير من المساعدات، وهو ما يمنحها الأوكسجين الاقتصادي واللوجستي.
- استمرار عودة سكّان الشمال، الأمر الذي سيصعّب على إسرائيل العودة إلى الحرب في هذه المنطقة.
- تدريب المجنّدين ومحاولة ترميم بنيتها العسكرية على الرغم من صعوبة أو استحالة هذا الأمر في الأوضاع الحالية.
يرى الكاتب أيضاً أنّ حماس تنتظر المرحلة “ب” كي تحقّق أهدافها الاستراتيجية، التي تنحصر بنظره بـ:
- حفظ مكانة الحركة.
- الرهان على الضغط الدولي والعربي لعدم عودة إسرائيل إلى الحرب.
- توفير موارد إعادة الإعمار.
يجادل الكاتب في خيار اليمين المتطرّف الامتناع عن الانتقال إلى المرحلة “ب”، ويراها افتراضات خاطئة لأنّ في هذه المرحلة إمكانية لأن تحقّق إسرائيل أهدافاً متعدّدة، ومنها:
- تحرير عدد أكبر من الأسرى الأحياء والموتى يحرّر إسرائيل من ثقل الالتزام الأخلاقي إزاء المخطوفين وعائلاتهم ويصالح إسرائيل مع نفسها.
- تحرير المخطوفين يحرّر أيادي الجيش ويسمح له بحرّية عمليّاتية أكبر ممّا كانت عليه سابقاً.
- نهاية المرحلة الثانية تسمح لإسرائيل الانتقال إلى نموذج سيطرة فعّال يتيح لها القضاء على حماس.
يعتقد الكاتب في النهاية أنّ حماس ستلعب ورقة إنكار معرفتها بمصير بعض الرهائن للاحتفاظ بهم واستخدام هذه الورقة في المرحلة الثانية لوقف مسار إخضاعها وتحقيق أهدافها.
الإجماع بين الإسرائيليين على إخضاع حماس وإخراجها من المعادلة، صار من الثوابت عندهم في أيّ حلّ مقترح
غياب أهالي غزّة عن النّقاش في مصيرهم
ثمّة حقائق أخرى كشفت عنها مجلّة “فورين أفيرز” في مقالة لسكوت أتران وأنخيل غوميز بعنوان: “ما الذي يريده سكّان غزّة. أضعفت الحرب الوحشية الدعم لحماس… لكنّها جعلت السلام مع إسرائيل أكثر صعوبة”، وأهمّها “الغياب الغريب لسكّان غزة” عن تقرير مصيرهم، ولا سيما طرح الرئيس دونالد ترامب “الاستيلاء الأميركي على غزة… والنقل الدائم لسكّانها”.
عرض الكاتبان في المقالة أيضاً لنتائج دراسة استقصائية أجرياها في غزة في أوائل كانون الثاني الماضي، قبل وقت قصير من دخول وقف إطلاق النار حيّز التنفيذ. وجاء في نتائجها أنّ:
• التأييد الشعبي لحماس قد انخفض بشكل حادّ منذ الأشهر الأولى من الحرب، إلّا أنّ البدائل الحاليّة للجماعة تحظى بدعم أقلّ.
• ما يزال شعب غزة يحتفظ بقيم أساسية قويّة تتّصل بهويّته الفلسطينية والدينية وتعلّقه بالأرض، وهي قيم يعتزم التمسّك بها، حتى لو كان القيام بذلك يتطلّب تضحية شخصية كبيرة.
إخضاع حماس ونزع سلاحها وعزلها عن إدارة غزة أمر متّفق عليه بين ترامب ونتنياهو. لكنّ العودة إلى الحرب التي يريدها هذا الأخير مع الجناح المتطرّف في حكومته، لا تلقى دعم ترامب وإدارته. ولا يبدو أنّ في إسرائيل نيّة لدمج التفكير الأمنيّ بحلّ سياسي للفلسطينيين.
في المقابل الإجماع العربي على عدم إعطاء حماس أيّ دور في إدارة القطاع، يقابله عدم السماح بتهجير الفلسطينيين والتمسّك بإعادة الإعمار وحلّ الدولتين، وهذا ما يرفضه نتنياهو وحكومته.
التناقضات بين الأطراف المعنيّة كبيرة، وبانتظار الخطّة المصرية العربية، وضغوط ترامب على نتنياهو للدخول في المرحلة الثانية من صفقة التبادل، يتوضّح الكثير من الأمور، ومن بينها مصير حكومة نتنياهو وقرار حماس، سواء في التخلّي عن دورها في السلطة أو في نزع سلاحها. وتتوضّح القدرة على فتح أفق سياسي يؤدّي لاحقاً إلى قيام الدولة الفلسطينية.