سلايدات

هل بإمكان حزب الله الخروج من تحت عباءة الولي الفقيه؟

كتب العميد الركن نزار عبد القادر في اللواء :

تؤشر جميع التطورات التي حدثت خلال الاشهر الماضية في لبنان وعلى المستويين العربي والاقليمي والدولي الى اننا دخلنا في مرحلة جديدة تفسح المجال لاستعادة الدولة اللبنانية لقرارها السيادي، بما في ذلك قرار السلم والحرب، والعمل جدياً على التحضير لاعادة بناء الدولة على يد رئيس الجمهورية العماد جوزف عون وحكومته الاولى برئاسة نواف سلام، بعد نيلها الثقة مساء هذا اليوم بأكثرية راجحة.
تشير وقائع تشييع السيد حسن نصر الله في المدينة الرياضية الىا ن هناك تغييرات هامة وجذرية ستحدث في الاسابيع والاشهر المقبلة، وبأن بعد 23 شباط لن يكون كما كان قبله، وبأن البلد سيدخل في مرحلة جديدة تمثل طموحات وآمال اللبنانيين بإمكانية حصول مصالحة وطنية شاملة تحل مكان الانقسامات القائمة حول دور حزب الله في الاقليم واستئثاره بقرار السلم والحرب وذلك ضد ارادة اكثرية الشعب اللبناني بمختلف فئاته.
صحيح انه يمكن لقيادة حزب الله ان تشعر بالنشوة والرضى على المشاركة الشعبية العارمة في يوم التشييع، ولكن لا بد لها ان تدرك بأن المشاركة الفعلية قد اقتصرت على بيئة حزب الله، فيما اقتصرت مشاركة بقية الشرائح الشعبية على تمثيل خجول جداً، بما ي ذلك على المستوى السياسي، ولا بد هنا ان يدرك الحزب وسع الفجوة التي تفصل بينه وبين المكونات اللبنانية الاخرى.
من خلال مشهدية التشييع لا بد ان تدرك قيادات الحزب بأن هناك ضرورة ماسّة لاعادة تقييم توجيهات الحزب وخياراته مع ضرورة الاخذ بعين الاعتبار حجم الخسائر البشرية والعمرانية التي انتجها قرار الحزب بجرّ لبنان الى حرب لا ناقة له فيها ولا جمل، وتحت شعار نصرة غزة ووحدة الساحات بتوجيه ايراني، ودون اية مراعاة للمصالح اللبنانية، اولاً من القرى والبلدات الجنوبية والبقاعية ولضاحية بيروت الجنوبية.
تفترض الواقعية السياسية ان تأخذ قيادات الحزب العبر من كل ما حدث، وان تتخلى عن المكابرة والنكران، وعدم اللجوء لسياسات الهروب الى الامام، وان تعود الى لبنانيتها، فتدخل في مسار العهد الاصلاحي، والذي عبّر عنه خطاب القسم، وان نعبيء بالتالي طاقاتها السياسية والتنظيمية والشعبية من اجل النهوض واعادة بناء الدولة والاقتصاد.
لا بدّ ان تكون نقطة البداية من الالتزام الفعلي للحزب بتنفيذ الاتفاق الذي وقعه عنه بالنيابة الرئيس نبيه بري، والذي ادى الى وقف الحرب، ويفترض هذا الاتفاق اولاً اخلاء الحزب لجميع مواقعه في جنوب نهر الليطاني، وتسليم مخازنه وما تبقى لديه من مخزون حربي للجيش اللبناني. وليدرك الحزب بأن هذا الامر سيقوي موقف الدولة سياسياً ودبلوماسياً، وبما يوفر الاجواء الفعلية للضغط على اسرائيل لاخلاء المواقع الخمسة التي تحتلها في الجنوب من جهة، ولوقف اعتداءاتها المتكررة على عمق الجنوب والبقاع بحجة منع التهديدات التي يشكلها الحزب على أمنها.
لا بدّ من الاعتراف بأن خطاب الوداع الذي القاه في يوم التشييع الشيخ نعيم قاسم، الامين العام الجديد، بعض البوادر التي تدعو الى التفاؤل بإمكانية وقدرة الحزب للتحلي بالعقلانية السياسية اللازمة، وبالحكمة للبدء بمسار خلاص لبنان واعادة بناء دولته، واخراج الاسرائيلي من النقاط التي يحتلها في الجنوب.
لكن لا يمكن القفز فوق بعض التناقضات التي وردت في الخطاب حول مستقبل المقاومة وعملية الانضواء في مسيرة بناء الدولة. ويبدو جلياً من مجمل الخطاب بأن الحزب على جهوزية لاجراء مراجعة نقدية لواقعه، تحضيراً لدخوله كشريك سياسي فاعل في اعادة الاعمار والبناء. ولكن لا بدّ من الاعتراف بأن اعلان الامين العام بالعمل تحت سقف الطائف، لا يعني بالضرورة تخليه عن خيار المقاومة، والذي شكّل منذ البداية مبرر وجوده.
وكانت ابرز النقاط التي تضمنها الخطاب اعتراف نعيم قاسم بنهائية الكيان اللبنانية «ونحن من ابنائه».
يأتي هذا التطور في الموقف نتيجة ادراك الحزب الى اهمية دور الدولة في اعادة الاعمار والتعويض عن الخسائر الكبرى التي منيت بها البيئة الشيعية.. وكان من الواضح ان الحكومة قد حمّلت بيانها الوزاري تعهداً بالاعمار والتعويضات المرتقبة.
ما ورد في الخطاب من ايجابيات تبقى غير كافية، ولا بدّ ان يتخذ الحزب خطوات على الارض تدعم الدولة والجيش وقوات اليونيفيل في الجنوب، وبما يفتح الطريق للحصول على المساعدات العربية والدولية اللازمة لاعادة الاعمار.
ولا بد ان يتخذ الحزب خطوات عملية للمساعدة في تنفيذ القرارات الدولية، والتأكيد على التخلي عن خيار المقاومة في تحرير لبنان، مع التأكيد على دور الجيش للقيام بهذه المهمة. لكن يبقى السؤال الابرز حول مدى قدرة قيادة الحزب الحالية لمواجهة الخيارات والضغوط الايرانية في ظل استمرار حاجتها الماسة لاذرعتها والتي كانت تشكل جزءاً اساسياً من استراتيجيتها في مواجهة اسرائيل والضغوط الغربية للتخلي عن برنامجها النووي ويبدو جلياً بأن ايران ما زالت تحتاج لهذه القوى في مواجهة ادارة ترامب ومخططاتها لوقف البرنامج النووي الايراني.
في رأينا انه على ضوء التطورات الدولية والمتغيرات في منطقة الشرق الاوسط وسقوط النظام البعثي في سوريا فقد بات لزاماً على قيادة حزب الله اجراء مراجعة شاملة تؤدي بالدرجة الاولى لتخلي الحزب عن دوره العسكري للدولة، ويمكن ان يكون ذلك عل يمراحل ضمن مهل زمنية معقولة، ولا بد ان يضع الحزب ميثاقاً جديداً يؤكد فيه على لبنانيته، وبالتالي خروجه من تحت الوصاية الايرانية وعباءة الولي الفقيه. ولتتعظ قيادة حزب الله من التطورات التي حصلت في سوريا، مع ما يحدث في العراق الآن، وما يمكن ان يتبعها من مشاريع سياسية وأمنية جديدة في ظل الادارة الاميركية الجديدة، ودعمها غير المحدود لاسرائيل.
وهكذا يبقى الأمل في عودة حزب الله وبيئته الى حضن الدولة السيدة والموحدة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى