
كتبت جوانا فرحات في المركزية:
“انتهت” !. تحت هذا العنوان جاء إعلان المتحدث بإسم وزارة الدفاع السورية حول العملية العسكرية في محافظتي اللاذقية وطرطوس بمنطقة الساحل الغربي للبلاد والتي بدأت منذ أربعة أيام ودعا المؤسسات العامة إلى إعادة فتح أبوابها لاستئناف العمل.
بيان مطمئن على أرض الواقع السورية علما أن المرصد السوري لحقوق الإنسان أكد أن المجموعات المسلحة تواصل ارتكاب أعمال إجرامية بحق السكان على رغم الإعلان عن انتهاء العملية الأمنية. والسبب على ما يبدو أن هذه “المجموعات التي لم توفر الأطفال والشيوخ والنساء لم تتلق بعد بيان الدفاع السورية”.
في أي حال ما يجب التوقف عنده هو تداعيات ما حصل في سوريا لا سيما على مستوى نزوح آلاف الأشخاص من الطائفة العلوية إلى عكار وطرابلس وقد وصل العدد شبه الرسمي إلى 10 آلاف.
وفي وقت استبشر اللبنانيون بما ورد في البيان الوزاري لجهة التأكيد على متابعة الحكومة “العمل على عودة النازحين السوريين وتعزيز التواصل مع المجتمع الدولي للمساهمة في مواجهة أعباء النزوح السوري مع الإصرار على عودة هؤلاء النازحين إلى بلدهم ورفض أي شكل من أشكال إدماجهم أو توطينهم وتنفيذ ورقة السياسة العامة لعودة النازحين التي أقرتها الحكومة اللبنانية وإعادة النظر فيها إذا لزم الأمر”، إذ بأعداد لا بل قوافل جديدة تدخل لبنان عبر المعابر الشمالية غير الشرعية من دون أن يصدر عن الحكومة أي بيان أو تدابير باستثناء تلك التي يقوم بها عناصر الجيش اللبناني والأمن العام لضبط تدفق النازحين السوريين الجدد والتأكد من هوياتهم بعدما تداولت بعض وسائل الإعلام أخبارا عن دخول عدد لا يستهان به من القادة العسكريين التابعين لنظام الأسد.
فاعليات عكار السياسية رفعت الصوت بعدما استشعرت بالخطر الإقتصادي والإجتماعي وحتى الأمني الوافد إلى مجتمعها. وطالبت السلطات اللبنانية ببذل الممكن واتخاذ الإجراءات المناسبة لتفادي الآثار السلبية التي سبق أن سبّبتها حركة النزوح السوري إلى لبنان طوال السنوات السابقة. لكن التطمينات التي نشرها رؤساء البلديات والمخاتير وفاعليات عكار حول استتباب الأمن “حتى إشعار آخر” منطلقين بذلك من الأسباب الإنسانية وخوف النازحين على أرواحهم بسبب الإعدامات التي حصلت خلال المواجهات الأمنية التي حصلت بين القوات الحكومية السورية وما يُعرف بـ”فلول” النظام السابق، أشاعت نوعا من الإطمئنان لكن أيضا”حتى إشعار آخر”.
أجواء الإطمئنان في عكار لا تنسحب على الواقع في مدينة طرابلس، حيث أعادت الأحداث التي وقعت إثر نزوح عائلات لبنانية وسورية من الطائفة العلوية إلى المدينة مشهد “الجولات القتالية” بين جبل محسن وباب التبانة .لكن تدخل الجيش وفرض الأمن طمأن الأهالي، علما أن النازحين لجأوا جميعهم إلى منازل أقارب لهم في باب التبانة.
في عكار المشهد يختلف، يقول النائب السابق وهبي قاطيشا. ويوضح لـ”المركزية” ان “النازحين الجدد الذين وصلوا إلى عكار اجتازوا النهر الكبير الذي يفصل بين عكار وسوريا، والغالبية وصلت من القرى العلوية الواقعة على ضفاف النهر من الجانبين اللبناني والسوري ولجأت إلى منازل أقارب لها إضافة إلى المناطق ذات الغالبية العلوية ومنها تل حميرة، والحيصة، والمسعودية، والريحانية، والسمّاقية في حين توجّه قسم آخر من هؤلاء إلى منطقة جبل محسن في طرابلس”.
حتى ساعة متقدمة من ليل أمس كان مشهد النزوح مستمرا “لكن لا مجال للقلق من بقاء هذه الأعداد الوافدة من النازحين في عكار أو طرابلس لأنهم يدركون أن المحيطين العكاري والطرابلسي لا يستوعبهم والأسباب تختلف تماما عما كانت عليه مع اندلاع الثورة السورية وتدفق النازحين المعارضين لنظام بشار الأسد آنذاك”.
اليوم تبدل المشهد والنتيجة على المجتمع اللبناني واحدة”صحيح أن ثمة أعباء إقتصادية وإجتماعية وإنسانية قد تترتب على المجتمعين العكاري والطرابلسي بسبب نزوح هذا العدد الكبير من العائلات خوفا على حياتهم وحياة أولادهم، لكنهم لا يشكلون أي تهديد. وعندما يستتب الأمن والهدوء ويتأكدوا من ذلك فإنهم حتما سيعودون إلى قراهم وبيوتهم خصوصا أن الغالبية من فئة المزارعين و يعتاشون من حصاد زرعهم”.
وتزامنا مع صدور بيان الدفاع السورية الذي أكد انتهاء العمليات العسكرية في الساحل السوري، يختم قاطيشا ” فلننتظر تطورات الأحداث ونتائجها والتي ستكشف عنها الأيام القليلة المقبلة. لكن الأكيد أن مصلحة القيادة الجديدة في سوريا لا تقضي بزرع الفتنة ونشر الخوف، بعدما وعدت الشعب السوري بمرحلة سياسية وأمنية جديدة. وما حصل في سوريا متعارف عليه في كل الدول التي تشهد تغييرا في الحكم أو انقلابا ما، حيث أن هناك مرحلة إنتقالية تتخللها اشتباكات وأحداث بين القوى الأمنية التابعة للنظام الجديد وفلول النظام المخلوع. لذلك لا يمكن أن نبني على موجات النزوح الناجمة عن أحداث مماثلة مقتضاه”.
وفقًا لتقديرات البنك الدولي، بلغت كلفة النزوح السوري التي بدأت عام 2011 على لبنان 80 ملياردولار، ما ساهم بشكل مباشر في انهيار العملة اللبنانية، وضغط غير مسبوق على البنية التحتية من مياه، وكهرباء، وصحة، وتعليم، من هنا الخشية الأكبر اليوم من أن يؤدي استقبال نازحين اضافيين إلى المزيد من استنزاف الموارد العامة وازدياد حدة الأزمة الاجتماعية بين اللبنانيين والنازحين.
ليس هذا وحسب، فالتفلت الأمني على الحدود والمعابر غير الشرعية وانتشار المخيمات العشوائية التي يصل عددها إلى 3100 مخيم منتشرة في 1000 بلدة، بات يهدد الاستقرار الديموغرافي والهوية المجتمعية. فهل ثمة من يقرأ في تفاصيل تداعيات كل موجات النزوح السوري تارة هربا من النظام وأخرى من المواجهات مع فلول النظام؟.