
كتب مصطفى شهاب:
بل هو اليوم أكثر إلحاحا من أي وقت مضى؛ حيث تمر القضية الفلسطينية في أحلك ظروفها وأكثرها سوداوية منذ نشأة هذه القضية بعيد الحرب العالمية الأولى إلى يومنا هذا، الذي باتت فيه القضية أضيع من الأيتام على مأدبة اللئام، وتخلى عنها الجميع، وكل له ذريعته التي يلوكها ليل نهار؛ متبرءاً من تبعات هذه القضية، وما تفرضه عليه قيم الحرية والعدالة لكل شعوب الأرض، إضافة إلى ما تفرضه على العرب والمسلمين من قيم الانتماء والتضامن والمصير الواحد، والإحساس بالهم المشترك لما يُفترض أنها أمة واحدة تجمعها كل عناصر الانتماء للأمة الواحدة، وبالتالي ضرورة العمل على مواجهة ما تمثله دولة الكيان الصهيوني من سرطان ينهش جسد هذه الأمة صباح مساء.
وبغض النظر عن ما يضمره هذا الطرف أو ذاك من حسابات خاصة يقرر وفقها علاقته مع هذه القضية؛ إلّا أن الكل يحمِّلُ الشعب الفلسطيني المسؤولية عن ما تتعرض له قضيته من تجاهل وصل إلى حد استغلال هذه القضية لصالحه من أجل نيل رضا سيد البيت الأبيض، عبر تطبيع علاقة بلاده مع دولة الكيان، مهما كانت بلاده بعيدة جغرافيا عن فلسطين على ضفاف الخليج العربي، أو على شواطئ المحيط الأطلسي. كما استغل البعض توقيع اتفاق أوسلو ليبرر لنفسه إقامة علاقات دبلوماسية مع (إسرائيل) رغم إدراكه بأن ذلك الاتفاق تحول إلى خدعة كبرى لا يتقنها إلّا أحفاد شيلوك. فهل قدم الفلسطينيون بأنفسهم الذرائع لمن ليسوا بحاجة إليها ليطعنوهم في الظهر؟
ظاهر القول نعم، لكن لا يمكننا إلّا استقراء الدوافع الحقيقية وراء موقف هذا القطر العربي أو ذاك، وما يتعرض له هذا النظام من ضغوط قد تصل حد الإملاء من واشنطن. على أن الضرر الذي أصاب القضية يظل معياراً لا تحكمه إلّا الضمائر؛ ذلك أن الله هو الأعلم بالنوايا.
لكن السؤال المهم هو: لِمَ لم يتفق الفلسطينيون على موقف واحد؟ والأهم، هل لا زال بإمكانهم أن يفعلوا؟
في الإجابة على السؤال الأول يمكننا أن نحمل الأطراف الفاعلة في المنطقة العربية وحولها وأميركا والغرب عامة المسؤولية عن إضعاف منظمة التحرير الفلسطينية باعتبارها البيت الجامع للفلسطينيين الذي لا يريد له أحد على ما يبدو، أن يظل قويا جامعا يستوعب كل أبناء البيت بداخله، لكن المسؤولية الأكبر على هذا الصعيد يتحملها أهل البيت نفسه الذي استأثر بعضهم بهذا البيت، يدعمه ساعة يشاء، وقد يخلخل كل أركانه في أوقات أخرى. فهل لا تزال المنظمة تحمل من اسمها أية دلالات؟ هل لا تزال منظمةً للتحرير؟؟ هل لا تزال كلمة الفلسطيني تحمل ذات الدلالات الشمولية لكل الشعب الفلسطيني؟؟ هذا ما يجب أن تجيب عليه اللجنة التنفيذية لهذه المنظمة.
أما عن السؤال الأهم: هل لا زال بإمكان مسؤولي الشعب الفلسطيني فعل شيء للملمة هذا البيت. الجواب ببساطة، وبكل ما في الكون من مصاعب هو باختصار نعم؛ إن صدقت النوايا. وذلك على مبدأ يجب أن يتفق عليه الكل الفلسطيني، ينطلق من إقرارنا بثوابت يفرضها واقع حال هذه القضية منذ البدايات: نحن شعب سرقت أرضه، وجرت وتجري محاولات لاقتلاعه منها حد إفنائه إن لزم الأمر. وبالتالي، فإن حقنا في المقاومة والنضال من أجل تحرير بلادنا حق لا يجب أن ينازعنا فيه أو عليه أحد. وحقنا هذا في النضال يمكن أن يَأخذ أي شكل من الأشكال. فمع تفضيلنا بالتأكيد للحلول السلمية؛ إذ لسنا متعطشين لدماء أي كائن على هذه الأرض. لكن يجب أن لا يلومنا أحد وقد استعصت كل الحلول السلمية في استخدامنا لأي شكل من أشكال هذا النضال في مواجهة عدو هو الأشرس والأقل أخلاقا والتزاما بالقيم الإنسانية عبر التاريخ. هذا المبدأ، والإيمان به موجه إلى البيت الفلسطيني أولا بكل أطيافه لنتمكن من إعادة بناء هذا البيت على أسس راسخة.
نضرب بالسيف ونفاوض، نفاوض ونضرب بالحجر والبندقية والصاروخ إذا تعذر التوصل إلى نتيجة عبر المفاوضات. ثم هو موجه إلى أمتنا التي ننتمي إليها، وعليها التزامات دينية وقومية تجاهنا لا بد أن تفي بها، وهو موجه إلى العالم عبر منظمته الدولية التي ساندتنا بالعشرات من القرارات التي لا تساوي قيمة الحبر الذي كتبت به.