
كتبت: كفا عبد الصمد
عندما كانت بيروت وضاحيتها الجنوبية تقصف بعهر واجرام، كان العالم باجمعه يستمتع بمنظر المباني التي سويت بالارض، وحولتنا الصحف العالمية الى مجرد ارقام، وكأن من قضى بفعل نيران العدو مجرد عابر سبيل في هذه الحياة لا قيمة له ولا اهمية.. لم تكن الحرب يوما منصفة وقد تجرعنا سمها لعقود، لعبوا على ارضنا اقذر العابهم، ووقعوا اسوء اتفاقياتهم، دمروا بيروت مرارا وقضوا على حلم الجنوب، وافترشوا عقولنا ونفوسنا ومجتمنا كالجرذان القذرة، نثروا سمومهم، واذاقونا مرارة الموت حتى استستغنا طعمها.. اليوم قوتان مجرمتان تتنازعان لنكسر احداها الاخرى، تتنافسان وللمرة الاولى على احقية وجودهما لا على كيفية تقسيمنا واضعافنا والسيطرة علينا كما جرت العادة. اسرائيل وايران وصراع الوجود من اجل البقاء، تعارضت المصالح ظاهريا ما استدعى عملية الاستئصال والتنظيف التي تشهدها المنطقة، اما باطنيا كل ما يحدث يصب في خانة ترتيب الاوراق وتنظيم الملفات كي يعاد ترتيب المنطقة وتقاسم المصالح وحصول كل جهة على الحصة المناسبة له من قطعة الجبن الدسمة التي تسمى الشرق الوسط.. لبنان في هذه الحرب الوجودية يقف وللمرة الاولى (اللهم حتى الآن) موقف المتفرج، هو شاهد ما شافش حاجة، لكنه في الواقع كان ولسنوات شاهد ملك، قدم ارضه وشبابه واستقراره ثمنا لصراع الآخرين على ارضه، بالنسبة لنا كلبنانيين، ولأننا نڜأنا على مفهوم القومية، تدغدغ مشاعرنا مشاهد الدمار في تل ابيب، وحتى لو تجردنا من انسانيتنا لبرهة، اسعدنا خبر استهداف مستشفى في العاصمة الاسرائيلية، ونحب عندما نسمع، (لاننا نسمع ولا نرى، وهذا يطرح اسئلة كثيرة) كيف يهرع الاسرائيليون الى الملاجىء وكيف انقلب السحر على الساحر، وتحولت حياتهم الى جحيم، جميلة هذه المشاهد، فقد سكنت مخيلتنا منذ حرب 1948، لكن في المقابل هذا لا يعني ان انتصار ايران (بتحفظ) يعني انطلاق المنطقة نحو مستقبل افضل.. ايران واسرائيل توأم متجانس، ولدا من رحم المعتقد الديني المتطرف، وكل ما ينتج عن التطرف الديني لا يمكن ان يخلق تطورا وازدهارا، بل يقود الى مزيد من التخلف والقوقعة ويضيق الافق.. كمواطن لبناني صحيح انني العب دور المتفرج، والشاهد على ما يحصل حاليا، لكن هذا لا يعني اني لم ار شئيا، انا شاهد عايش ظلم هذه الانظمة المتعصبة حتى الثمالة، وقدم ما لم يقدمه شعبا فداء لقضية انسانية، قضية مجتمع آخر ووطن آخر وحياة اخرى، وطن لا ملامح انتماء له الا لدى قلة قليلة من شعب الارض التي سلبت، اما البقية يحملون القضية لكنهم يعيشون خارج مفهومها. نحن في لبنان حاربنا من اجل فلسطين عن كل العرب، وقدمنا الغالي والنفيس ولم نتاجر بالقضية، لم نفلح في اكثر من هذا، واعتقد انه يكفي هذا الكم من التشرذم من اجل الآخرين، نحن دولة صغيرة المساحة كبيرة الاحلام والطموحات، اتفاقياتكم لا رأي لنا فيها، سواء ربحت ايران او خسرت الامر سيان، من سيفوز في هذه الحرب المجنونة لن يأخذ بيدنا نحو غد افضل، بل سيسعى الى سلبنا مواطن قوتنا واضعافنا والصعود على اكتافنا.. اسرائيل شر مطلق واهدافها التوسيعة لا تخف على احد، وايران شر مطلق ومطامعها لا تخف على احد، وبالتالي دعونا نكمل المسرحية حتى تسدل الستارة، لاننا كنا دوما شاهد ما شافش حاجة لكنه دفع ثمن كل ما يحدث بالدم والحلم والقرار.. حياد لبنان يحميه اذا كان مقررا حمايته، عدا ذلك لا شيء يحمينا من هذا البركان الثائر وهذه الحرب المجنونة، جل ما يمكننا فعله ان لا نعطي ذريعة استدراجنا الى حرب لا شأن لنا بها، والى مواجهة نحن لا نملك مفاتيح قيادتها.. لبنان تعب ومل وآن له ان يستعيد بريقه وآن الاوان لتتفح وروده من جديد بعيدا عن اي تعصب ديني او عرقي وبعيدا عن اي مهاترات سياسية..