سلايدات

لبنان وإسرائيل: سلامٌ شاقّ وتطبيع مستحيل

كتب أيمن جزيني في اساس ميديا:

هل فُتحت أبواب السلام بين لبنان وإسرائيل؟ سؤال يطرق أبواب جمهوريّة الأرز وتبدو الإجابة عنه أصعب من إبرام معاهدة سلام بين البلدين المتناقضين شكلاً ومضموناً.

نقلت القناة الثانية عشرة الإسرائيلية قبل أيّام عن مصدر سوريّ مطّلع قوله إنّ “سوريا وإسرائيل تتّجهان نحو إبرام اتّفاق سلام شامل بحلول نهاية عام 2025”. لم يصدر نفي لهذا الكلام من سوريا ولا من إسرائيل. أبعد من ذلك، يتقاطع ما سبق مع تقارير صحافية عدّة عربيّة وأوروبيّة وأميركيّة تتحدّث عن سلام ومفاوضات بين الدولتين، لكنّ التوقّعات منها تنخفض في بعض التقارير إلى حدود اتّفاقات أمنيّة وترتفع لتشمل سلاماً تامّاً بينهما.

أين لبنان ممّا يجري في جواره؟ وأين تكمن مصلحته؟

لبنان اليوم من آخر الدول التي لم توقّع بعد على اتّفاق سلام مع إسرائيل، ولم تدخل حتّى اللحظة في مفاوضات حوله
مقولتان تحدّان الصّراع

درجنا في لبنان على مقولتين رافقتا الصراع العربي الإسرائيلي منذ فجره: الأولى تتعلّق بالصراع العربي ـ الإسرائيلي عموماً مفادها: “لا سلام من دون سوريا ولا حرب من دون مصر”. أمّا الثانية فتتناول الصراع اللبناني ـ الإسرائيلي على نحو أكثر تخصيصاً ومفادها: “لبنان آخر دولة توقّع اتّفاق سلام مع إسرائيل”.

اليوم، تبدو المقولتان أبعد ما تكونان عن الواقع، أو أقرب ما تكونان إليه. فلا حرب مع إسرائيل في المدى المنظور، سواء شاركت مصر أو شارك غيرها. لا تسمح موازين القوى بحرب، وكذلك أوضاع المنطقة وأحوال العالم عموماً. وفي ما يخصّ السلام مع سوريا، باتت الأخيرة في صلب الحديث عنه، بل على رأس الأولويّات الإسرائيلية والعربية والعالمية.

أمّا لبنان آخر دولة توقّع اتّفاق سلام مع إسرائيل، فمقولة انتهت مدّتها الزمنيّة: لبنان اليوم من آخر الدول التي لم توقّع بعد على اتّفاق سلام مع إسرائيل، ولم تدخل حتّى اللحظة في مفاوضات حوله. أكثر من ذلك، لبنان هو الدولة الوحيدة حتّى الآن بين دول الطوق التي تجمعها حدود برّية وبحريّة مع إسرائيل والتي لم تدخل في مفاوضات سلام معها، بعد مصر والأردن والفلسطينيّين أنفسهم، وأخيراً سوريا التي لم تبرم اتّفاقاً رسمياً بعد، لكنّ ثمّة إشارات كثيرة إلى قرب حدوث ذلك، بالإضافة إلى إشارات عدّة إلى تفاهمات تمّت بين الجانبين منذ سقوط نظام الأسد ووصول أحمد الشرع إلى سدّة الرئاسة.

لم توقف إسرائيل اعتداءاتها على الوطن الصغير منذ قيامها عام 1948. ولم توقفها منذ إعلان وقف إطلاق النار في 27 تشرين الثاني الماضي.
لا حرب ولا سلام؟

انتهت حالة اللاحرب واللاسلم التي كانت قائمةً منذ أنظمة عربية ولّت إلى غير رجعة. الحديث عن السلام مع إسرائيل يملأ الوطن العربي: خليجه ومشرقه ومغربه. أخيراً بات يدقّ أبواب لبنان بقوّة، حيث الحرب مع إسرائيل غير مرئية في المدى المنظور، ومستبعَدة تماماً، لكنّ السلم ليس في متناول اليد ولا العين ولا القلب.

لم توقف إسرائيل اعتداءاتها على الوطن الصغير منذ قيامها عام 1948. ولم توقفها منذ إعلان وقف إطلاق النار في 27 تشرين الثاني الماضي. تقوم الدولة اللبنانية بواجباتها لناحية منع أيّ عمل مسلّح أو غير مسلّح ضدّ إسرائيل. وتسحب السلاح غير الشرعي في جنوب الليطاني على قدم وساق منذ بداية عهد الرئيس جوزف عون. خطاب القسم واضح في هذا، والبيان الوزاري كذلك.

ثلاثة خيارات

بين لبنان وإسرائيل خيارات العلاقة مفتوحة على ثلاثة احتمالات لا رابع لها:

1ـ اتّفاق الهدنة الموقّع بين البلدين عام 1949.

2ـ اتّفاق سلام انطلاقاً من المبادرة العربية للسلام (بيروت 2002).

3ـ حرب دائمة تتّخذ أشكالاً مختلفةً غالباً ما تكون نتيجتها الدمار والكثير من القتلى، وغالباً ما تكون لمصلحة إسرائيل.

لبنان واضح في ما يريد:

أ ـ انسحاب إسرائيل من الأراضي اللبنانية المحتلّة.

ب ـ احترام قرارات الأمم المتّحدة المتعلّقة بالسيادة والحدود.

ج ـ حلّ عادل وشامل للقضيّة الفلسطينية، أوّل بند فيه حقّ العودة.

انتهت حالة اللاحرب واللاسلم التي كانت قائمةً منذ أنظمة عربية ولّت إلى غير رجعة. الحديث عن السلام مع إسرائيل يملأ الوطن العربي
ماذا تريد إسرائيل؟

تريد إسرائيل من لبنان سلاماً يضمن أمنها وتريد تطبيعاً للعلاقات، لكنّها لا تقدّم شيئاً في المقابل. أمّا السلام فطريقه واضحة وأسسه لا حاجة إلى التفاوض عليها: الحدود البحريّة بين البلدين رُسّمت حديثاً وقُضي الأمر. الحدود البرّية مرسّمة منذ عام 1949 وقد وقّعت عليها إسرائيل في اتّفاق الهدنة الموقّع في رأس الناقورة بتاريخ 23 آذار 1949. يبقى احترام قرارات الأمم المتّحدة في ما يتعلّق بالعلاقات بين الدول. وأمّا تبادل العلاقات الدبلوماسية فأمر يُبتّ في المفاوضات. لكن من أين نأتي بالتطبيع؟

التطبيع يكون عادةً بين الشعوب لا بين الدول. أن تكون بين دولتين علاقات تجارية ودبلوماسية وحتّى سياسية لا يعني إطلاقاً أن تكون هناك علاقة بين الشعبين. دون الأخيرة تاريخ لا بدّ أن يكون وذاكرة تغلب عليها الأعمال الحسنة لا أعمال القتل والأذى والشرّ، وعلاقات حسن جوار لا اعتداءات وانتهاكات.

تذهب إسرائيل إلى السلام بطريقتين لا ثالثة لهما: إمّا مرغمةً نتيجة انتصار أو إنجاز عسكري ما، وهو غير متوافر في الظروف الراهنة، أو نتيجة انتصار عسكري وازن لها تملي من خلاله شروطها للسلام، وهو الأمر المتحقّق حاليّاً. لكنّها انتصرت سابقاً، وفرضت على لبنان اتّفاق 17 أيّار عام 1983، وسرعان ما سقط في العام التالي وحلّت محلّه معادلات مغايرة تماماً.

مشقّة السّلام

السلام بين لبنان وإسرائيل مشقّةً عميقة تعود جذورها إلى التاريخ، وتتغذّى من الواقع الجيوسياسي المعقّد للمنطقة. فلبنان، الذي لا يزال يعتبر إسرائيل دولة عدوّة، لم يوقّع معها اتّفاق سلام منذ انتهاء حرب 1948، بل اكتفى عام 1949 باتّفاق هدنة لا يزال قائماً من حيث المبدأ، لكنّه منهار من حيث التطبيق.

لا تقتصر تعقيدات السلام على الحدود المتنازَع عليها، كمنطقة مزارع شبعا وتلال كفرشوبا، بل تمتدّ إلى ملفّ اللاجئين الفلسطينيّين في لبنان، ووجود المقاومة المسلّحة التي يقودها “الحزب” وتعتبر إسرائيل تهديداً وجوديّاً. من جهة أخرى، تُعدّ المبادرة العربية للسلام (2002) إطاراً نظريّاً للسلام الشامل، لكنّ تطبيقها يبقى رهين تغيُّر جذريّ في ميزان القوى والسياسات الإقليمية.

يتطلّب أيُّ مسار نحو السلام الحقيقي ضمانات أمنيّة للبنان، وانسحاباً إسرائيليّاً من الأراضي المتنازَع عليها، وحلّاً عادلاً لقضيّة اللاجئين. لكن في ظلّ الانقسامات الداخلية في لبنان، والتوتّرات الإقليمية المتصاعدة، يبدو السلام اليوم أبعد منالاً، ومرتبطاً بتغيّرات أعمق من مجرّد تفاوض ثنائيّ. فأيّ سلام تريد إسرائيل؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى