سلايداتمقالات

حتى انت يا زياد!..

كتبت كفا عبد الصمد:

بغفلة من الزمن وفي لحظة تهدد وجود لبنان الحلم وبقاءه، رحل زياد الرحباني وكأنه يعاقبنا برحيله المفاجىء لاننا لم نعرف كيف نحمي لبنان الوطن الذي عاشه بقدر ما عاش فيه.

لا اعرف الى اي جيل ينتمي هذا العبقري، ولا اعرف اذا كان يحق لنا تصنيفه اصلا، انه لمحة حب ووفاء سقطت على هذا البلد المجنون ليرسم بريشته الخاصة ملامح وطن لم نعرفه يوما رغم اننا عايشنا تقلباته وصرخاته الصامتة على خشبة مسرحه..

لم يكن زياد الرحباني مجرد موسيقي قدم لبلده وللفن نوعية مختلفة من الموسيقى والاعمال المسرحية الخالدة، لم يكن مجرد وريث عائلة فنية صنعت مجد لبنان، بل كان شريكا في صناعة مجد من نوع آخر ولو كان على انقاض الحروب والدمار.. بلغته البسيطة واسلوبه الساخر جعلنا نحب لبنان اكثر. لقد عرى الحقيقة امامنا بكثير من المحطات ورغم ذلك زرع في داخلنا انتماء من نوع آخر، معه احببنا لبنان الاختلاف والخلاف، معه تعلقنا بلغة السياسة الكاذبة واستسغنا تذوق مرارة السقطات رغم قذارتها.. لقد كنا جيلا عايش هذا الكبير بعضا منا تعرف اليه عن كثب، وآخرون بقيت علاقته بهم من خلال صوت اعماله الذي سيبقى محطة نعود اليها كلما اجهدنا البحث عن لبنان الذي نريد..

زياد المسرحي الذي كتب الالم والحسرة بلغة الحب، ورسم ابتسامة النصر على وجوه المحاربين، فكان من الاوائل الذين عبروا جميع الانفاق وتخطوا كل الصعاب ليعيش في لبنان البلد الذي تمناه والحلم الذي لم يبصره.. حين اردت ان اكتب عن زياد خانتني اللغة لان احدا لا يستطيع ان يمنح هذا الكبير حقه، لقد نقل شغفه بالموسيقى الى اجيال عدة، وجعلنا نحب اللحن المختلف والموسيقى المجنونة والمسرح المجرد من كل اشكال الانتماء ما عدا الانتماء الى الوطن.. هو الشيوعي المقاوم الرافض لاي احتلال، اختلفت معه او اتفقت يبقى زياد الرحباني علامة فارقة في تاريخ الفن العربي والعالمي، انشودة يغردها كثيرون ولا يحسن عزفها سواه.. شكرا زياد لكل ما قدمته لنا من اعمال اغنت ثقافتنا وغيرت نظرتنا للظروف والاحداث.. شكرا زياد لانك عرفت كيف تقرأ الواقع بطريقة استثنائية رغم انك كنت تردد دائما، لست انا العبقري الذي يقرأ المستقبل، بل نحن شعب يقف مكانه ولم يتحرك، لهذا اعمالك نجحت في الامس وتنجح اليوم وستنجح غدا اذا اكملنا هذا النمط من التعامل مع المتغيرات..

حتى انت يا زياد خذلتنا ورحلت وكأنه لا يقدر لنا العيش مع الكبار.. اليوم ترحل ولا زال في البال اغنية لم تكتب ولحنا لم يوزع وكلمة لم تقال.. ترحل من دون ان تخبرنا بالنسبة لبكرة شو!.. وداعا ايها العظيم..

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى