سلايدات

دروز لبنان وسوريا: شعب واحد في دولة أم في دولتين؟

كتب نجم الهاشم في نداء الوطن:
لم يبدأ التاريخ المشترك بين دروز لبنان وسوريا وفلسطين بعد سقوط نظام الأسد. ولكن ما بدأ هو الاهتمام بالمصير المشترك الذي يمكن أن يجمعهم من أجل اتخاذ القرارات الصعبة في مواجهة الخيارات الصعبة. صحيح أنّهم يشكّلون عائلات روحية واحدة، وصحيح أيضًا أنّهم يتشكّلون من عائلات وصلات قربى واحدة. وصحيح أيضًا أنّهم وإن تفرّقوا في الاتجاهات السياسية والولاءات، فإنهم يجتمعون حول الخطر الذي يتهدّدهم كطائفة. هذا الخطر الذي انفجر في أحداث السويداء لم يعد مجرد مسألة عادية بل مشكلة تبحث عن حلّ جذري لهوية جماعة تمتدّ من شاطئ خلدة والشويفات والمختارة والجاهلية في لبنان، إلى الجولان والسويداء.

ما يطرح مسألة المستقبل السياسي والتنظيمي للدروز بين لبنان وسوريا وإسرائيل هو ما تعتبره إسرائيل مصلحة لها تمرّ عبر هذا المكوِّن المنتشر على مستوى الدول الثلاث. ليس من مصلحة إسرائيل أن تبقى سوريا موحّدة. على رغم اللقاءات المباشرة بين مسؤولين سوريين من السلطة الجديدة ومسؤولين إسرائيليين، لم تُحسم مسألة إضفاء الشرعية على احتلال إسرائيل للجولان السوري. لا إسرائيل مستعدّة لإلغاء قرار ضمّه إليها واعتباره من ضمن حدودها. ولا النظام السوري، أي نظام، يمكنه أن يتنازل عن هذه الأرض السورية التي رسمت حدودها اتفاقيات سايكس بيكو بين بريطانيا وفرنسا.

على رغم اعتبار المغالين بقوميتهم العربية أنّها حدود مصطنعة صنعها الاستعمار، فقد تحوّلت هذه الحدود إلى حدود مقدّسة تمسكت بها الأنظمة. لذلك من مصلحة إسرائيل العليا أن لا تكون سوريا دولة موحدة كما كانت منذ العام 1923، ومن مصلحتها أن تنقسم إلى عدة دول، أو على الأقل أن تدعم انفصال الدروز في السويداء والجولان، بحيث تحلّ لقائيا مشكلة الحدود والاحتلال. بدل أن تكون إسرائيل محتلّة للمنطقة تصبح حامية لها ولا تعود هناك مشكلة حدود ولا تعود هذه مشكلة النظام الحاكم في باقي سوريا.

حق تقرير المصير
السبت 16 آب شهد وسط مدينة السويداء تظاهرات حاشدة رُفعت فيها أعلام إسرائيلية وأعلام درزية، ورفع شعار “حق تقرير المصير” تنديدًا بأعمال العنف التي شهدتها المحافظة في تموز، والتي أسفرت عن مقتل أكثر من 1600 شخص. رفع المتظاهرون صورًا لشيخ العقل حكمت الهجري، ولكن المفاجأة كانت المجاهرة بمطلب الإستقلال: “لا نريد إدارة ذاتية ولا حكمًا فيدراليًا، نريد استقلالًا تامًا” وسط تصفيق حار من الحاضرين.

بعد ساعات كان الرئيس السوري أحمد الشرع يؤكّد في جلسة حواريه بحضور عدد من الوزراء، مع أكاديميين وسياسيين وأعضاء من النقابات المهنية والوجهاء في محافظة إدلب على وحدة الأراضي السورية، مستبعدًا سيناريو تقسيم البلاد، قائلًا إنّ “عوامله غير متوافرة وشبه مستحيلة في سوريا”… وإنّ “من يطالب بالتقسيم عنده جهل سياسي، وحالم، وفي كثير من الأحيان الأفكار الحالمة تؤدّي بأصحابها إلى الانتحار”. مضيفًا أنّ “استقواء بعض الأطراف بقوى إقليمية، مثل إسرائيل، صعب جدًّا، المنطقة الجنوبية ذات كثافة بشرية وأيّ عدو يريد الدخول إليها سيضطرّ إلى أن يضع شرطيًا على باب كل بيت، وهذا الشىء صعب في واقع الحال”.

المحافظة المتمرّدة ووحدة المشايخ
الشرع شدّد على أن الدولة ملتزمة بمحاسبة مرتكبي التجاوزات في السويداء. ولكن هذا التأكيد جاء بعد اشتداد تعقيدات الوضع في المحافظة “المتمرّدة” مع استمرار التحريض ضد ممارسات قوات الأمن وتسريب مقاطع مصوّرة لعمليات قتل وإعدامات وبعد استمرار الشكوى من الحصار المفروض على المنطقة. ولكن التطور الأبرز كان في انضمام شيخي العقل يوسف جربوع وحمود الحنّاوي إلى الشيخ حكمت الهجري في التهجم على السلطة الحاكمة في دمشق ووصف ما حصل بأنّه “أعمال وحشية طائفية بمثابة تطهير عرقي ممنهج”. وأنّ “السويداء تعرّضت لـعدوان همجي بحجّة بسط سيطرة الدولة، بهدف منح غطاء وحماية لجيش من التتر الذين عاثوا في الأرض فسادًا وقتلوا المدنيين العزّل من دون وجه حق”… وأنّ “الحكومة السورية حكومة غدر نقضت المواثيق وانقلبت على القيم وارتضت أن تكون سيفًا على رقاب الأبرياء”. وذروة التحول كانت مع توجيه التحية لشيخ عقل الدروز في إسرائيل موفّق طريف، بعدما كان الهجري شكر “دولة إسرائيل حكومة وشعبًا لتدخّلها الإنساني للحدّ من المجازر بحقّ أهل السويداء بدافع أخلاقي وإنساني…”.

من سلطان باشا إلى كمال بك
منذ ما قبل استقلال لبنان وسوريا لم تنفصل هواجس دروز البلدين عن بعضها. إذا كان دروز لبنان شاركوا في تأسيس الكيان اللبناني منذ 500 عام،  ومنذ أيام الإمارة المعنية مع الأمير فخر الدين الثاني الكبير، تحت حكم السلطنة العثمانية، فإنّ دروز سوريا لم تكن لهم هذه الميزة المستقلّة. في مرحلة ما بعد الاستقلال لعب دروز لبنان دورًا رئيسيًا في تكوين السلطة والمشاركة فيها وفي أبرز أحداثها. وإذا كان سلطان باشا الأطرش رفع مستوى الدور الدرزي في تاريخ سوريا المعاصر من خلال قيادته ثورات متتالية ضد سلطات الانتداب الفرنسي فإن بعض دروز لبنان وقفوا إلى جانبه بينما آخرون لم يكونوا معه. وقد اغتيل فؤاد جنبلاط، والد كمال، في هذه المرحلة في 6 آب 1921 على يد شكيب وهّاب، أحد أنصار الثورة ضد فرنسا، وقد قيل إنّ الاغتيال حصل عن طريق الخطأ لأن الهدف كان ضابطًا فرنسيًا وصودف أن جنبلاط كان يمتطي جواده. ولكن بعد ذلك وفي كل مراحل الحرب، كانت تقريبًا خيارات الدروز في الدول الثلاث موحّدة وداعمة لدروز لبنان

جنبلاط ووهاب
منذ بدأت القضية الدرزية في سوريا تتظهر بعد فرار بشار الأسد وقيام النظام الجديد، كان رئيس حزب “التوحيد العربي” وئام وهّاب الأكثر تعبيرًا عن هواجس الدروز ملاقيًا الدعوات إلى تأمين حماية دولية لهم حتى لو كانت إسرائيلية. وفي الجانب الآخر كان زعيم قصر المختارة وليد جنبلاط الأكثر حذرًا في مقاربة هذا الخطر الذي يتهدّد الدروز في سوريا. ولذلك سارع إلى لقاء الرئيس أحمد الشرع من دون التوصل إلى حل لهذه القضية عن طريق استيعاب الأقلية الدرزية في نظام جديد يحفظ حقوق الأقليات وأدوارهم في السلطة عن طريق تأمين المشاركة السياسية.

كان جنبلاط سبّاقًا في قراءة الهواجس الدرزية قياسًا على تجارب موجعة عاشوها خلال الحرب منذ اندلاعها في 15 آذار 2011. أراد أن يحذّر من أنّ استمرار تعنّت السلطة الجديدة في احتكار السلطة وإخضاع الآخرين سيؤدّي حكمًا إلى تبدّل جذري في الخيارات الدرزية الوطنية. ولكن بعد الأحداث التي حصلت في جرمانا وأشرفية صحنايا قرب دمشق، وبعد أحداث السويداء يبدو أن اللعبة خرجت عن السيطرة وعن التأثير الجنبلاطي إلى حد تعرض جنبلاط شخصيًا لحملات مسيئة له ولدوره تمّ الردّ عليها بسلسلة بيانات تضامن معه.

أرسلان يحيّي الشيخ موفق طريف
ولكن المفاجأة أتت لاحقًا من رئيس “الحزب الديمقراطي اللبناني” الوزير السابق طلال أرسلان الذي كان شارك مع جنبلاط في لقاءات درزية عدة من أجل منع امتداد ما يحصل في السويداء إلى لبنان، خصوصًا بعد محاولات جرت لقطع عدد من الطرقات والتعرّض لعدد من السوريين الذين ترك عدد منهم المناطق الدرزية وتجنّبوا العمل أو الإقامة فيها. الأحد 17 آب قال إرسلان: الخطر على أبواب الخليج. وداعًا سوريا. لحّقوا حالكم يا عرب أو العوض بسلامتكم والله يستر”. أرسلان برّر رفع العلم الإسرائيلي في قلب السويداء قائلًا: “اللي بياكل العصي مش متل اللي بيعدّها ويلّي إيدو بالنار مش متل اللي إيدو بالمي ولا أعلم ما إذا كان الشخص الذي يرفع العلم الاسرائيلي خُطِفت زوجته أو قتل أحد أبنائه”. أرسلان أكمل: “الشيخ موفق طريف شيخ جليل ومرموق ومن بيت تاريخي ولن أرضى بتحميل الرجل أكثر مما يحتمل… للأسف الشديد بات لدي اقتناع أننا لن نرى بعد الآن سوريا التي كنّا نعرفها كجمهورية عربية سورية موحّدة وبهكذا سلطة إرهابية في دمشق مستحيل أن تسلم سوريا… أجرت الإدارة السورية الجديدة عدة محاولات لأقوم بزيارة دمشق عبر وسطاء لكنّني رفضت ولن أزور قصر الإرهاب (قصر الشعب)”.

قرار ورغبة وعجز
مع هذا المنسوب المرتفع من الكلام يظهر وكأنّ المسألة الدرزية باتت رهن ثلاثة عوامل:

• قرار إسرائيلي بإعادة رسم خريطة سوريا من خلال إعادة رسم خريطة الشرق الأوسط الجديد، أو خريطة إسرائيل الكبرى، كما أعلن رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو.
• رغبة درزية شاملة، من إسرائيل إلى سوريا ولبنان، أن يكون للدروز كيان مستقل أبعد من تعابير الفدرالية أو الحكم الذاتي الحاصِلَين عليه مرحليًّا برعاية دولية.
• عجز السلطة السورية الجديدة عن تغيير هذا الواقع وعن الدفاع عن وحدة سوريا وحدودها الدولية التي رسمت قبل مئة عام.

السؤال الذي يطرح مع هذه التطورات يتعلّق بخريطة لبنان. هل يكون سلاح “حزب الله” وتهديدات أمينه العام الشيخ نعيم قاسم بكربلاء جديدة مقدمة لمطالبة الشيعة بأن تكون لهم دولتهم التي يحفظها سلاحهم طالما أنّهم يرفضون نزع هذا السلاح؟ وهل يمكن أن ينعكس تغيير الحدود بين سوريا وإسرائيل تغييرًا لها بين سوريا ولبنان، وبين إسرائيل ولبنان؟ وهل يمكن أن ينضمّ دروز لبنان إلى الدولة الدرزية الموعودة؟ أم أن مثل هذا الأمر دونه عقبات كثيرة بحيث يبقى دروز لبنان وسوريا طائفة واحدة في دولتين؟

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى