سلايدات

“يا مرحب بالحرب الأهلية”: مَن يضبط الشارع؟

كتبت نور الهاشم في المدن:

لم يشهد لبنان انفلاتاً من العقال الأخلاقي والانساني، كما تشهد المرحلة الحالية التي أخرجت جميع سموم الماضي، والأحقاد الداخلية من كوامن النفوس، وتفجرت في مواقع التواصل حيث لم تبقَ أي شخصية، مهما علا شأنها، محيدة عن السب والقذف والشتيمة. 

 من البطريرك الماروني بشارة الراعي، إلى المفتي الجعفري أحمد قبلان، وما بينهما من شخصيات سياسية وحزبية من أعلى الهرم الى أسفله، نزلت بحقها الشتائم الكبيرة. إسفاف لا يُصدّق! تزوير للتاريخ  والحقائق، واستفزاز بالعقائد الدينية، وسباب بلغة ذكورية مقيتة، واتهامات بالخيانة والتبعية غطّت على النقاشات. 

الردع بالشتيمة!

“لن نسكت.. إذا شتم رمزك الديني، لا تتورع عن شتيمة رمزه بالأوصاف نفسها”، يقول مغرد في دعوة صريحة، ويسمّي الشخصيات، رافضاً لكل المجاملات أو التورع. يضيف في تغريدة ثانية: “لطالما كنا نتحلى بالأخلاق.. مع هؤلاء، لا يمكن أن تكون على خُلُق عظيم. الشتيكة بالشتيمة والبادي أظلم”! يرد عليه شخص آخر بالقول، إن “هذه الطريقة الوحيدة لردعهم وإيقاف مساسهم برموزنا الدينية”. 

وفي المقلب الآخر، تستعر الدعوات للشتائم أيضاً. تحمل الدعوات اللغة ذاتها، والمنطق نفسه. لا يتورع هؤلاء عن هتك الأعراض. باتت منصات التواصل، جبهة مفتوحة. حرب بلا رصاص، تُستخدم فيها الشتائم كأداة لتسعير الخلافات. 

والخلاف هنا، لم يعد وجهة نظر. بات فتنة محجوبة وراء شاشة. تُستخدم مواقع التواصل للتعبئة الدينية والسياسية. وفي معرض الدعوات لتجنب سجالات تؤدي الى توترات داخلية، يجد جيل يافع في تلك الدعوات، سذاجة. تُقرأ في الردود والتعليقات عبارة “يا مرحب بالحرب الأهلية”! 

زمن العقلاء

على مدى سنوات، كانت السجالات لا تصمد أكثر من 24 ساعة. أوجدت الأحزاب والقوى السياسية اللبنانية خطوطاً مفتوحة للتواصل في ما بينها، وواظبت على إصدار بيانات تتبرأ من الاستهدافات للرموز الدينية والسياسية. اختبر لبنان هذه التدابير في عزّ سجالات “التيار الوطني الحر” و”القوات اللبنانية”.. كما اختبرها على نطاق أوسع بين “حزب الله” و”تيار المستقبل”.. ولطالما صدرت مواقف سياسية تندد بالمساس بالرموز الدينية للطوائف، وذلك في محاولات لإخماد السعار، ومنعاً من تمدده الى الشارع. 

ومثله، كان الزعماء، وفي طليعتهم أمين عام “حزب الله” السابق حسن نصر الله، يطلب من مناصريه عدم الرد، أو ضبط السجالات و”ضبط النفس”، وذلك في خطابات متعددة. كان يرمي الأزمة في ملعب حسابات اسرائيلية أو خارجية، تعمل على تغذية الفتنة. ومثله فعل وليد جنبلاط، وسعد الحريري في مراحل متعددة، خصوصاً أيام الحرب السورية. 

تعبئة الشارع

اليوم، اختفى العقلاء، كما أن الخطوط السياسية مقطوعة بين القوى المتنازعة. يظهر أن التسعير مطلوب سياسياً، لتعبئة الشارع لمرحلة مقبلة. صمت الزعماء والقوى السياسية، يوحي بأن هناك رسائل تُرسل عبر فوضى السوشيال ميديا، تمهيداً لترجمتها في الميدان، وأن البلاد مقبلة على فتنة، ستتغذى من احتقانات الشارع. لا تفسير آخر للصمت المريب، في حين تستعر الخلافات السياسية، وتقترب من الوصول الى حائط مسدود مع نفاد مهلة إعداد الخطة التنفيذية العسكرية لجمع السلاح أواخر الشهر الحالي، وتنفيذ الخطة بموعد نهائي أواخر العام الحالي. 

وباختفاء العقلاء من السياسيين، برزت مبادرة مدنية لتطويق الأزمة وتنظيف الحياة واللغة السياسيتين من التخوين والتشهير، عبر الدعوة لتوقيع عريضة الكترونية، هي بمثابة تسجيل موقف مدني، في لحظة كباش سياسي ضمن واحدة من أخطر الأزمات التي عرفها لبنان. 

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى