سلايدات

العين الدوليّة “محمَرّة”: لا اقتراع… لا إعمار

كتب طوني عطية في نداء الوطن:
منذ اقتحامها الساحة اللبنانية، لم تكن “الممانعة” بشقّها السياسي الداخلي، مجرّد فريق ينافس على السلطة والنفوذ. هي أسلوب موت يُجيد تعطيل الحياة الوطنية. إنها منظومة كاملة من الرفض. والمقاومة الوحيدة التي تتقنها ونجحت بها هي مقاومة الاستحقاقات. فـ “أسهل على الجَمَل أن يدخل خرم الإبرة”، من أن تمرّ انتخابات نيابية أو رئاسية أو بلدية من دون افتعال “مشكل” أو خلق “شبعا” جديدة لها (تختلف تسمياتها وفق المناسبة)، وآخرها معارضة انتخاب المغتربين في بلدان انتشارهم لـ 128 نائبًا من قبل “الثنائي الضائع”. فمعزوفة فريقَي “حزب الله” و”أمل” تكرّر أن لا قدرة لهما على خوض المعركة الانتخابية إعلاميًا وسياسيًا في الاغتراب.

مصدر دبلوماسي يُعلّق على هذا الموضوع، قائلًا:

أولًا، لا يمكن معاقبة أكثر من 244 ألف ناخب (بحسب عدد اللبنانيين المسجّلين في الخارج لانتخابات 2022)، بسبب سياسات “حزب الله” العدائية والإرهابية و”الكبتاغونيّة” تجاه المجتمعين الدولي والعربي.

ثانيًا، إن الانتخابات النيابية التي تجرى ضمن مقار السفارات والقنصليات، أي على أراضي لبنان، تخضع لسيادة الدولة، وبالتالي لن يتعرّض أي مغترب لضغوطٍ مادية أو سياسية. لا مجال فيها لممارسة العنف السياسي الجسدي والمعنوي الذي انتهجه”الحزب” في الدوائر والمناطق اللبنانية الخاضعة لسطوته، عبر تهديد وترويع المرشحين والمقترعين المعارضين له. في حين، أنه لم يُسجّل في الولايات المتحدة الأميركية، ولا في دول الاتحاد الأوروبي أو الدول العربية والخليجية، أي ملاحقة أو مضايقة بحق الناخبين الشيعة على خلفية خياراتهم الانتخابية أو نتائج التصويت. الاستثناء الوحيد شمل أفرادًا ثبت تورّطهم المباشر في أنشطة إرهابية مرتبطة بـ “الحزب”، كإنشاء خلايا أمنيّة، أو الانخراط في “كارتيلات” المخدرات العالمية التي تنتمي إليها “المقاومة الإسلامية في لبنان” وتمويل مشبوه، لا علاقة لها بحرّية التعبير أو العمل السياسي المشروع.

ثالثًا: منذ بروز وسائل التواصل الاجتماعي والإعلام الإلكتروني، لم تعد للدعاية أو اللقاءات المباشرة بين المرشحين والناخبين فوائدها السابقة. والدليل أنه في انتخابات 2022، خاض “الثنائي” معركته من بُعد وحصل على أصواتٍ اغترابية ولم يتعرّض أي “شيعي” مغترب من قبل أجهزة الدول المقيم فيها.

لذا، إنّ السبب الحقيقي خلف رفض “الممانعة” اقتراع المغتربين لا علاقة له باللوجستيات ولا بالمساواة بين الناخبين، بل بالخوف من توالي النكسات الواحدة تلو الأخرى. فبعد الهزيمة العسكرية وتراجع القبضة على القرار الاستراتيجي الوطني، تدرك هذه المنظومة أن المغتربين، بمعظمهم، منحازون إلى خيار الدولة والقوى السيادية، لا الدويلة، وبيئتهم غير خاضعة لسلطة الترهيب أو الابتزاز. كما أن نتائج الانتخابات في السفارات والقنصليات يصعب التلاعب بها أو تطويعها كما كان يحصل في بعض مراكز الفرز والدوائر داخل لبنان.

في هذا السياق، يُحذّر المصدر من أن أي محاولة لتطيير الاستحقاق أو تأجيله ستنقلب على مُطلقيها. الجهات المانحة، من الاتحاد الأوروبي إلى الدول الخليجية والولايات المتحدة، تربط دعمها للبنان بسلسلة من الشروط الإصلاحية، أولها احترام المواقيت الدستورية. فزمن الهرطقات والخزعبلات التي كانت تمارسها “الممانعة” في عهود السيطرة الأمنية والسياسية، انتهى.

إذا كان “الحزب” يساوي بين عدم سحب سلاحه ورفض اقتراع المغتربين باعتبارهما مسألتين وجوديّتين، فإن المجتمع الدولي يعتبر أن إجراء الانتخابات النيابية هو محطّة أساسية من قطار الإنقاذ. كما يؤكد المصدر، أنّ العين الدولية “محمرّة” وساهرة، والمراقبة دقيقة. فأي محاولة للعرقلة من قبل “الثنائي” لن تمرّ من دون تبعات، ليس فقط على المسار السياسي، بل على مستوى الدعم الاقتصادي وإعادة الإعمار، فكل تأخير يُفسَّر كإصرار على تعطيل الإصلاح. ويحذّر المصدر من أن تجاهل أصوات المغتربين قد يدفع هؤلاء إلى خطوات تصعيدية، تبدأ بتقديم شكاوى إلى الهيئات الأممية ومراكز القرار في أوروبا وأميركا، رفضًا لتهميشهم، ما يفتح الباب أمام أزمة جديدة لا يحتاجها لبنان. في الوقت نفسه، فإن التوجّه نحو حرمان المغتربين من الاقتراع يفضح تمسّك “الممانعة” والرئيس برّي بالنهج القديم في إدارة السلطة التشريعية، وهو ما لم يعد ينسجم مع لبنان الجديد والانتظارات الدولية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى