
كتبت ملاك عقيل في اساس ميديا:
في ظلّ الضباب الكثيف الذي يُسيطر على الساحة اللبنانيّة وسط “إعصار السلام” في المنطقة، بدأت تُرصَد المؤشّرات الداخلية والخارجيّة للاستدلال على مصير سلاح “الحزب” في مرحلة ما بعد اتّفاق غزّة. أهميّة دعوة رئيس الجمهوريّة جوزف عون “إلى التفاوض بعد وقف إسرائيل عمليّاتها العسكرية كي لا يكون لبنان خارج مسار التسويات في المنطقة”، هي في توقيت إعلانها وليست في مضمونها المعروف في الكواليس وأمام الوفود الأجنبيّة.
تشي المعطيات الخارجية بمزيد من الضغط الدوليّ على لبنان لفرض إجلاسه إلى طاولة الحوار مع إسرائيل، من دون وسيط، وقبل الانسحاب من الجنوب.
تُسلِّم مقاربة الرئيس عون بالتفاوض، عبر وسيط، بعد “وقف العمليّات العسكريّة الإسرائيليّة”. ترفض مقاربة “الحزب” النقاش في مصير السلاح، على كامل الأراضي اللبنانية، إلّا بعد الانسحاب، ووقف الاعتداءات الإسرائيليّة، و”تحرير” المنطقة العازلة، وبدء إعادة الإعمار، بناءً على حوار داخليّ صِرف تحت سقف “استراتيجية الأمن الوطني”.
هي خيارات متباعدة بالكامل يُعزّز خطورتها تجاوز العدوّ الإسرائيلي الخطوط الحمر في انتهاكه لوقف إطلاق النار، وتلاشي الاهتمام الأميركيّ بالملفّ اللبناني، مقارنة بحركة الوفود سابقاً، مع إصرار على تظهير الاهتمام بالجيش اللبناني عبر رصد الكونغرس 190 مليون دولار للمؤسّسة العسكرية، و40 مليون دولار للقوى الأمنيّة الأخرى.
اجتماع “ميكانيزم”
لذلك قد يُصبِح لأيّ تفصيل داخليّ أهميّة على مستوى ملفّ بحجم منطقة. اجتماع لجنة “ميكانيزم”، الذي أكّد الرئيس نبيه برّي عقده يوم الأربعاء، بقيت التساؤلات قائمة بشأن انعقاده، خصوصاً بعد إبلاغ الأميركيّين مرجعيّات رئاسيّة بأنّ الاجتماع لن يحصل بسبب غياب مورغان أورتاغوس على خلفيّة الإغلاق الحكوميّ. وربط كثيرون هذا الأمر بتطوّرات اتّفاق غزّة، ومجيء دونالد ترامب إلى المنطقة، وهو ما قد يُشكّل رسالة سلبيّة للبنان.
واشنطن أعادت تمويل “اليونيفيل” بعد خفضه 15%… و”اليونيفيل” أوقفت التسريح
كانت أورتاغوس أبلغت العديد من المسؤولين اللبنانيّين بأنّ اجتماعات “ميكانيزم” في الناقورة، من الآن وصاعداً، ستكون بحضورها. وهي بالفعل حضرت اجتماعين للّجنة، عقب الزيارة الأخيرة التي قام بها توم بارّاك للبنان، من ضمن الوفد الأميركيّ الموسّع.
اليونيفيل
في المعطيات، تبلّغ أمس الجيش اللبناني و”اليونيفيل” من رئيس اللجنة الجنرال الأميركي جوزف كليرفيلد تثبيت موعد اجتماع لجنة “ميكانيزم” اليوم عند الساعة العاشرة صباحاً في الناقورة، مع العلم أنّ التحضيرات للاجتماع بقيت قائمة وكأنّه سيحصل في موعده.
وفق القوانين الأميركيّة، في ظلّ الإغلاق الحكومي، يمكن أيّ مسؤول أميركيّ أن يقوم بمهمّة خارج البلاد، لكن على نفقته الخاصّة، وبإمكان أورتاغوس المجيء بطائرة عسكريّة.
ترفض مصادر عسكريّة “ربط اجتماعات “ميكانيزم” بحضور مورغان شخصيّاً، بالنظر إلى المسائل العديدة التي يوجب هذا الاجتماع العسكريّ والتقنيّ حلّها أو التنسيق بشأنها. فما يحصل داخل “ميكانيزم” هو الأساس، وليس مَن يحضر، وليس هناك أيّ قرار رسميّ أو مستنَد يفيد بأنّ اللجنة لا تستطيع الاجتماع من دون وجود أورتاغوس، الذي ليس له بُعد عسكريّ بل سياسيّ”.
“العرض” الأوروبيّ
على صعيد آخر، وبعد كشف موقع “أساس” للعرض الأوروبيّ في شأن تسلّم قوّة أوروبيّة أو دوليّة مشتركة مهامّ المراقبة والمؤازرة في الجنوب بعد انتهاء ولاية “اليونيفيل”، رَبَط كثيرون هذه الخطوة بمسار التطوّرات المفصليّة في المنطقة، لا سيّما بعد انقسام الرأي حول العنوان الأهمّ: هل عُزِل لبنان عن “ورشة السلام” في المنطقة، أو هو أحد بنودها المؤجّلة، وبشروط قاسية؟
لم يكن الطرح الأوروبيّ الذي سمعه رئيس الجمهوريّة من الموفدين الأوروبيّين سوى التمهيد الدوليّ لإحدى ترجمات الفقرة 10 من قرار التمديد “الأخير” لـ”اليونيفيل” نهاية آب الماضي، التي قد تُشكّل باباً “أمميّاً” لخيارات متعدّدة بعد انتهاء مهامّ قوات الطوارئ الدوليّة بحلول كانون الأوّل 2026، بما في ذلك، برأي أوساط دبلوماسيّة، بقاء “اليونيفيل” نفسها!
تشير مصادر على صلة وثيقة بملفّ الجنوب و”اليونيفيل” إلى أنّ بقاء الاحتلال الإسرائيليّ في جنوب لبنان وتثبيت المنطقة العازلة مع حلول نهاية العام المقبل
إذ نصّت الفقرة 10 على الآتي: “يُطلَب من الأمين العامّ للأمم المتّحدة استكشاف (explore) بحلول 1 حزيران 2026، خيارات مستقبليّة لتنفيذ القرار 1701 (2006) بعد انسحاب “اليونيفيل”، بما في ذلك خيارات تقديم المساعدة في ما يتعلّق بالأمن ومراقبة الخطّ الأزرق، وسبل تعزيز الدعم لإعادة انتشار القوّات المسلّحة اللبنانيّة جنوب نهر الليطاني من خلال آليّات الأمم المتّحدة”.
لا تتناقض هذه الفقرة، بتأكيد أوساط دبلوماسيّة، مع جوهر قرار تمديد ولاية “اليونيفيل”، “للمرةّ الأخيرة حتّى 31 كانون الأوّل 2026، والبدء بعملية سحب تدريجيّة وآمنة اعتباراً من 31 كانون الأوّل 2026 وخلال سنة واحدة، بحيث تبدأ تصفية “اليونيفيل” بعد انتهاء مرحلة الانسحاب التدريجيّ والآمن، ويفوّض، طوال فترة التصفية، الاحتفاظ بقدرات حراسة محدودة لحماية أفراد “اليونيفيل” ومرافقها وأصولها”. وبالتالي احتمال الاستعانة بقوة دوليّة ما، أو الإبقاء على عمل قوّات “اليونيفيل”، في حال بقاء الاحتلال الإسرائيليّ حتّى نهاية العام المقبل، والأرجح مع تقليص العدد وخفض الميزانيّة.
خفض التّمويل 15%
تفيد معطيات “أساس” بأنّه على الرغم من المناخات التي رافقت التمديد الأخير لـ”اليونيفيل”، وأوحت بإنهاء الولايات المتّحدة الأميركيّة مساهمتها الماليّة في عدّة منظّمات دوليّة، بينها قوّات الطوارئ الدوليّة في جنوب لبنان، أعادت واشنطن تمويل “اليونيفيل” مع خفض ملحوظ في المبالغ المرصودة بلغ 15% فقط، فيما أوقفت “اليونيفيل” تسريح الموظّفين الذي بدأته منذ أشهر حتّى إشعار آخر.
في المعطيات، تبلّغ أمس الجيش اللبناني و”اليونيفيل” من رئيس اللجنة الجنرال الأميركي جوزف كليرفيلد تثبيت موعد اجتماع لجنة “ميكانيزم”
تشير مصادر على صلة وثيقة بملفّ الجنوب و”اليونيفيل” إلى أنّ “بقاء الاحتلال الإسرائيليّ في جنوب لبنان وتثبيت المنطقة العازلة مع حلول نهاية العام المقبل سيجعلان خيار انسحاب “اليونيفيل”، من دون وجود قوّة دوليّة أمميّة فاصلة بين لبنان وإسرائيل توثّق انتهاكاتها المستمرّة للقرار 1701 وقرار وقف الأعمال العدائيّة، أمراً خطيراً جدّاً يضع الجيش اللبناني على تماسّ مع الجيش الإسرائيليّ ويجعله شاهداً أو متفرّجاً على حالة الاحتلال. ربّما قد تقود الواقعيّة الدوليّة، انطلاقاً من نصّ الفقرة 10، إلى إعادة فتح باب بقاء “اليونيفيل”، وإن بحجم محدود، بدلاً من خيار الإتيان بقوّة أوروبيّة أو أميركيّة”.
تضيف المصادر: “قبل الانسحاب الإسرائيليّ الكامل وتحرير المنطقة العازلة وسحب السلاح بشكل نهائيّ، لا انسحاب لقوّات “اليونيفيل”، وهذا أمرٌ متاحٌ من خلال قرار مجلس الأمن بالتمديد الأخير لـ”اليونيفيل”. أمّا الهدف الأهمّ فهو تمكين الجيش، بالعديد والعتاد والتمويل، من تسلُّم زمام السيطرة بالكامل في الجنوب، من دون وجود أيّ قوّة أجنبيّة، بعد الانسحاب الإسرائيليّ”.