سلايدات

مصلحة لبنان في فكّ الارتباط بغزّة…

كتب خير الله خير الله في اساس ميديا:

رفضت “حماس” ربط غزّة بلبنان، علماً أنّه من بين ضحايا “طوفان الأقصى” الذي أعاد الاحتلال الإسرائيليّ إلى الجنوب للمرّة الأولى منذ عام 2000. من هذا المنطلق، ليس ما يدعو لبنان الرسميّ و”الحزب”، الذي قرّر خوض “حرب إسناد غزّة”، إلى العيش على وقع ما بعد حرب غزّة. يفترض بلبنان، من الآن فصاعداً، أن تكون لديه حسابات خاصّة به، وخصوصاً أنّ “حماس” نفّذت فكّ ارتباط مع “الحزب” ما إن أفلتت من القبضة الإيرانيّة.

 

أفلتت “حماس” من إيران يوم وافقت على خطّة الرئيس الأميركي دونالد ترامب التي تبدأ بإطلاق كلّ الرهائن الإسرائيليّين مقابل وقف للنار وإطلاق نحو ألفَي فلسطينيّ محتجزين في السجون الإسرائيليّة.

كان لافتاً في المفاوضات التي تُوجّت بإطلاق الحركة للرهائن الإسرائيليّين العشرين الأحياء الذين كانت تحتفظ بهم، غياب أيّ إشارة إلى أسرى “الحزب” اللبنانيّين في إسرائيل.

كانت لافتة أيضاً إشارة الرئيس الأميركي، في الخطاب الذي ألقاه أمام الكنيست الإسرائيليّة، إلى جهود الرئيس جوزف عون من أجل نزع سلاح “الحزب”. قال في هذا الصدد: “تدعم إدارتي الرئيس اللبنانيّ في مساعيه لنزع سلاح “الحزب”. يبدو أنّ رئيس الجمهوريّة التقط الإشارة الأميركيّة. أعلن بكلّ صراحة استعداداً للتفاوض مشترطاً وقف إسرائيل اعتداءاتها على لبنان، علماً أنّ هذه الاعتداءات مرتبطة بإصرار “الحزب” على الاحتفاظ بسلاحه.

لا أوراق قوّة للبنان

تكمن المشكلة في أنّ إسرائيل تحتلّ أرضاً لبنانيّة وليس العكس، وأن ليست لدى لبنان أيّ عناصر قوّة تمكّنه من فرض شروطه على إسرائيل في حال كان يريد انسحاباً إسرائيليّاً تمهيداً لإعادة إعمار القرى المدمّرة على طول الشريط الحدوديّ مع إسرائيل. أكثر من ذلك، إذا كان لبنان يعتقد أنّ سلاح “الحزب” عنصر قوّة، فلم يعد سرّاً أنّ لهذا السلاح وظيفة وحيدة تتمثّل في تبرير الاحتلال للمواقع الخمسة التي تسيطر عليها إسرائيل داخل لبنان.

مَن يحاصر لبنان وجميع اللبنانيّين هو من جرّ لبنان إلى “حرب إسناد غزّة”

كما العادة، لا استيعاب لبنانيّاً لما يدور في المنطقة. يظلّ لبنان، منذ ما قبل عام 1970 بُعيد انتخاب سليمان فرنجيّة الجدّ رئيساً للجمهوريّة، عاجزاً عن استيعاب ما يجري في المنطقة وكيفيّة التعاطي مع التحوّلات الكبيرة فيها.

لبنان

 

فشل لبنان في 1970 في فهم معنى احتكار حافظ الأسد للسلطة في سوريا تمهيداً لتأسيس نظام ذي طابع مذهبيّ (علويّ) يستبعد الأكثريّة السنّيّة، سنّة المدن تحديداً، عن السلطة. لم يكن هناك استيعاب لبناني لأبعاد الانقلاب الكبير في سوريا، وخصوصاً في ضوء الدور الذي لعبه حافظ الأسد عندما كان وزيراً للدفاع في عام 1967 على صعيد تسليم الجولان إلى إسرائيل.

لم يفهم لبنان، أو على الأصحّ لم يجهد نفسه لفهم مغزى نقاط التفاهم التي توصّل إليها حافظ الأسد مع هنري كسينجر، وزير الخارجية الأميركي في عام 1974. لم يكن الهدف من تلك النقاط غير تكريس الاحتلال الإسرائيليّ للجولان من جهة، مقابل ضمانات سوريّة لأمن إسرائيل من جهة أخرى. الأهمّ من ذلك كلّه أنّ نقاط التفاهم مع كسينجر استهدفت حصول النظام العلويّ على ضمانات إسرائيليّة لاستمراره.

دعوة للاندماج في النّظام الإقليميّ

هل يفهم لبنان في عهد جوزف عون، في ضوء فرار بشّار الأسد من دمشق وعودة السنّة إلى حكم سوريا، أنّ مصلحته في وضع أجندة خاصّة بالبلد تأخذ في الاعتبار أنّه لم يشارك في قمّة شرم الشيخ؟ هل يستوعب لبنان أنّ ما صدر عن دونالد ترامب في الكنيست كان دعوة إلى الاندماج في النظام الإقليميّ الجديد؟

ليس ما يضمن قيام مثل هذا النظام الإقليميّ الجديد الذي ينادي به الرئيس الأميركي. في المقابل، تبدو الحاجة اللبنانيّة إلى الدفاع عن مصالح البلد من منطلق فكّ الارتباط نهائيّاً بغزّة من جهة، ورفض الرضوخ لابتزاز المنادين بتوفير أموال لإعادة الإعمار من دون التطلّع إلى ما تريده إسرائيل وما هي نيّاتها الحقيقيّة، من جهة أخرى.

لا يدافع عن لبنان سوى المنطق. يقول المنطق إنّ في الاستطاعة الاستفادة من أجواء السلام في المنطقة ومن فكّ الارتباط  بغزّة

لن يكون رضوخ الحكومة اللبنانية لمطالب تخصيص أموال في الموازنة لإعادة الإعمار سوى نهب موصوف يستهدف تعويم “الحزب” لا أكثر. لا يمتلك لبنان أيّ قدرة على منع إسرائيل من متابعة التدمير الممنهج لقرى لبنانيّة وحتّى قرى بعيدة عن الشريط الحدودي كما حدث في المصيلح أخيراً.

لا يدافع عن لبنان سوى المنطق. يقول المنطق إنّ في الاستطاعة الاستفادة من أجواء السلام في المنطقة ومن فكّ الارتباط  بغزّة. ليس مستبعداً، من دون تحرّك لبنان سريع وجريء، أن يكون لبنان من ضحايا ما بعد حرب غزّة بدل أن يكون من المستفيدين من وقف الحرب وإن مؤقّتاً.

لبنان لم يعُد أولويّة!

لا مكان لأيّ شروط لبنانيّة من أيّ نوع على إسرائيل. اللهمّ إلّا إذا كان لبنان يريد استمرار العيش في الأوهام. ما بدا واضحاً من خلال كلام ترامب في إسرائيل أنّ لبنان لم يعُد أولويّة أميركيّة بمقدار ما أنّه جزء من تصوّر الرئيس الأميركي لمستقبل المنطقة، أي من أحلام ورديّة.

لا يمكن الرهان على هذه الأحلام الورديّة. تؤكّد ذلك ممارسات “حماس” في غزّة التي سارعت إلى تنفيذ إعدامات ميدانيّة فور توقّف القصف الإسرائيلي. بدل العيش في أحلام ورديّة، من المفيد أن يسأل لبنان نفسه: كيف يستعيد أرضه المحتلّة؟ وكيف يمكن مباشرة إعادة الإعمار؟ ما هي شروط إعادة الإعمار؟

يبدأ ذلك بالاستفادة من فكّ الارتباط بغزّة بدل التهجّم على الدولة اللبنانيّة وتخوين نوّاف سلام. ما يقوله أشخاص مثل المفتي أحمد قبلان لأهل الجنوب والضاحية والبقاع، أي للشيعة، من أنّ “دولتكم تحاصركم وتشد الخناق على أعناقكم”، ليس صحيحاً بل عمليّة تضليل.

مَن يحاصر لبنان وجميع اللبنانيّين هو من جرّ لبنان إلى “حرب إسناد غزّة” وكلّ من لم ينبس ببنت شفة تدين توريط لبنان في حرب لا يمكن أن تنتهي فعلاً من دون ثمن لا مفرّ من دفعه.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى