
داود رمال في الأنباء الكويتية:
يشهد لبنان في المرحلة الراهنة حراكا سياسيا وديبلوماسيا مكثفا يعكس عمق التحولات في أولويات الدولة ومؤسساتها الدستورية. وتتقاطع الملفات الداخلية الأساسية مع مسارات إقليمية متسارعة، ما يجعل من التنسيق بين الرئاسات الـ 3 ضرورة وطنية لإعادة بناء الثقة بالدولة وتعزيز حضورها في محيط مضطرب. فالأجندة اللبنانية لم تعد تقتصر على المسائل الآنية، بل تمتد لتطال علاقات لبنان مع جيرانه، وخصوصا سورية، إلى جانب الملفات الأمنية والسيادية، ومسألة النازحين، وحصرية السلاح، والدعم الدولي للمؤسسات العسكرية.
وقال مصدر سياسي لبناني رفيع لـ «الأنباء» الكويتية: «يشكل الملف اللبناني – السوري اليوم محورا أساسيا في أجندة الدولة. وتهدف الاتصالات الجارية مع دمشق إلى وضع أسس جديدة للعلاقات الثنائية تقوم على احترام سيادة كل دولة واستقلال قرارها، بعد عقود من الالتباس والاختلال في هذه العلاقة. وتشمل النقاشات بين الجانبين ملفات المفقودين والموقوفين والسجناء من الجانبين، وضبط الحدود ومنع تهريب السلاح والمخدرات، إضافة إلى بحث آليات لعودة النازحين السوريين وفق جدول زمني واضح».
وأضاف المصدر: «أن بسط سلطة الدولة على كامل الأراضي اللبنانية يبقى أولوية ثابتة في عمل المؤسسات الدستورية، وهذا المسار يتم حصرا عبر الجيش اللبناني الذي يضطلع بمهمة وطنية دقيقة في ظل تحديات أمنية كبيرة. ومسألة حصرية السلاح ليست مشروع مواجهة داخلية، بل هدف استراتيجي يتحقق تدريجيا ضمن ظروف تراعي الواقع الميداني والسياسي. إلا أن استمرار الاحتلال الإسرائيلي واعتداءاته المتكررة يعقدان مهمة المؤسسة العسكرية ويؤخران التطبيق الكامل للقرار الدولي 1701».
وتناول المصدر الموقف الرسمي من أي مفاوضات مستقبلية مع إسرائيل، وشدد «على أن لبنان متمسك بترتيبات الهدنة المعمول بها منذ عقود، لكنه يربط أي بحث جديد بانسحاب إسرائيل من الأراضي المحتلة ووقف الأعمال العدائية وتحرير الأسرى. وهذه شروط لا يمكن تجاوزها في أي إطار تفاوضي محتمل. وأي الحديث عن اتفاق سلام غير مطروح إطلاقا، فيما تبقى المقاربة اللبنانية قائمة على حماية السيادة وتحصين الحدود الجنوبية».
وأشار إلى «أن البعد الدولي في هذه المرحلة لا يقل أهمية عن الملفات الداخلية، إذ تتحرك باريس والرياض لعقد مؤتمرين، الأول لدعم الجيش والثاني لإعادة الإعمار، في إشارة إلى استمرار التزام المجتمعين الدولي والعربي وعلى رأسه المملكة العربية السعودية بدعم الاستقرار في لبنان وتعزيز قدرات مؤسساته العسكرية والأمنية. وهذا الدعم يعكس قناعة راسخة لدى العواصم المؤثرة بأن الحفاظ على الجيش هو الضمانة الوحيدة لوحدة البلاد ومنع الانزلاق إلى الفوضى».
وختم المصدر بالتأكيد على «أن الرئاسات الـ 3 تتحرك بتنسيق كامل للحفاظ على وحدة القرار الوطني. فرئيس الجمهورية العماد جوزف عون يسعى إلى تثبيت معادلة السيادة والتهدئة. ورئيس الحكومة د.نواف سلام يتولى إدارة الملفات التنفيذية ضمن توازنات دقيقة. فيما يعمل رئيس مجلس النواب على تأمين الغطاء التشريعي والسياسي لأي تفاهمات جديدة. وبهذا المشهد المركب، يقف لبنان أمام فرصة لإعادة ترتيب أولوياته وصياغة علاقاته الإقليمية بما يتناسب مع متغيرات المنطقة، على أمل في أن يشكل هذا الحراك بداية مرحلة استقرار داخلي وسلام خارجي».