
كتب وليد شقير في اساس ميديا:
بينما تملأ الفضاء الإعلاميّ التهديدات بأنّ حرباً مدمّرة تنتظر لبنان مع استمرار المراوحة في ملفّ سحب سلاح “الحزب”، تراهن دوائر لبنانيّة على نجاح الرئيس الأميركي دونالد ترامب في كبح جماح بنيامين نتنياهو لمنع تجدّد الحرب في غزّة، وأن تشمل ضغوطه هذه لبنان أيضاً.
في 23 أيلول الماضي، وأثناء مشاركته في الجمعيّة العامّة للأمم المتّحدة، اجتمع الرئيس جوزف عون برئيس الوزراء الأيرلنديّ مايكل مارتن، الذي يشارك جيش بلاده في قوّات “اليونيفيل” في الجنوب، وسأله: “كم تطلّب الأمر لنزع السلاح في أيرلندا؟”، فأجاب مارتن: “في البداية استغرق 20 سنة، ثمّ 10 سنوات إضافيّة للتطبيع والسلام الكاملين”.
في 24 أيلول، التقى الرئيس عون توني بلير وتناول البحث غزّة ولبنان والتجربة الأيرلنديّة، مؤكّداً أنّ الاستعجال الأميركيّ في فرض جدول زمنيّ سريع يخالف تجارب عالميّة ناجحة.
لمس معاونو الرئيس الأميركي أنّ سحب سلاح “حماس” لن يتمّ بكبسة زرّ، وهو ما يطرح سؤالاً عمّا إذا كان “اكتشاف” الجانب الأميركيّ الحاجة إلى آليّة خاصّة في شأن غزّة سيشمل أيضاً ضرورةَ إيجاد تسوياتٍ بين لبنان وإسرائيل لمعالجة سلاح “الحزب”.
تلقّفت واشنطن بإيجابيّة اقتراحَ الرئيس جوزف عون التفاوض بين لبنان والدولة العبريّة، فيما تنتظر بيروت الترجمة العمليّة لهذه الإيجابيّة.
يتوقّف مراقبون أمام استعانة واشنطن بالخبرة البريطانيّة في نزع سلاح ميليشيات أيرلندا الشماليّة أواخر تسعينيّات القرن الماضي. وقد تنبّه رجال إدارة ترامب إلى أنّ تنفيذ المهمّة يواجه عقباتٍ جدّيّة، وفي انتظار معالجتها يمارس ترامب ضغوطاً على نتنياهو، إذ قال لمجلّة “تايم” إنّه لولا تدخّله لكان الأخير استمرّ في الحرب إلى ما لا نهاية.
بينما تملأ الفضاء الإعلاميّ التهديدات بأنّ حرباً مدمّرة تنتظر لبنان تراهن دوائر لبنانيّة على نجاح الرئيس ترامب في كبح جماح نتنياهو
اعتراف فانس بالصّعوبات
انعكس ذلك في إشارة نائب الرئيس الأميركي جي. دي. فانس إلى أنّ مهمّة نزع سلاح الحركة “ستكون طويلةً ومعقّدة، وتعتمد بشكل كبير على تشكيلة القوّة الدوليّة المنتظَرة”، موضحاً أنّه لا آليّة بعدُ لنزع السلاح.
أمّا مظاهر وأسباب التأخّر في تنفيذ الخطوة فأبرزها:
- ليست هناك قوّة ردعٍ دوليّة جاهزة للحلول مكان “حماس” في القطاع. وقد تأخّر تشكيلها برغبة من ترامب، إذ ليست كلّ الدول المرشّحة للمهمّة مستعدّة للمغامرة بدخول القطاع مع استمرار الاحتلال الإسرائيليّ.
- يرفض نتنياهو كليّاً مشاركة تركيا في عداد القوّات العربيّة – الإسلاميّة التي ستدخل غزّة. وتخضع تطبيقات المرحلة الثانية من خطّة ترامب للصراع الإقليميّ بين تل أبيب وأنقرة التي ساهمت في تغطية هذه الخطّة، وهذا من أبرز مواضيع الخلاف الأميركيّ – الإسرائيليّ الجدّيّة.
ترامب ينخرط في ترتيبات فلسطينيّة؟
على الرغم من جهوزيّة عناصر الشرطة التي تولّت مصر والأردن تدريبها بتجهيزات من كندا وفرنسا، الجهة التي ستتولّى إمرة هذه القوّة غير محسومة بعد. تميل مصر والدول العربيّة إلى أن تكون للسلطة الفلسطينيّة، لكنّ ترامب رفض في مقابلته مع مجلّة “تايم” تولّي الرئيس محمود عبّاس أيّ دورٍ انتقاليّ، ويبحث في المقابل الإفراج عن القياديّ في “فتح” مروان البرغوثي لتولّي القيادة في غزّة، وهو ما أثار حملةً إعلاميّةً إسرائيليّةً معترضة بحجّة “خرق ترامب السيادة”.
تعاطى ترامب بحياديّة مع ظهور “حماس” بالسلاح بحجّة ضبط أمن القطاع، فيما ربط بعض قادتها تسليم السلاح بقيام الدولة الفلسطينيّة. ويُتداول حديثٌ عن “تجميد” (Freeze) استخدام السلاح بانتظار دخول القوّة الدوليّة وتشكيل حكومة تكنوقراط فلسطينيّة.
استعان ترامب بخبرة رئيس الوزراء البريطانيّ الأسبق توني بلير، الذي لعب دوراً مع صهره جاريد كوشنير في صوغ خطّة الرئيس الأميركيّ
تجربة أيرلندا الشّماليّة وسؤال جوزف عون
استعان ترامب بخبرة رئيس الوزراء البريطانيّ الأسبق توني بلير، الذي لعب دوراً مع صهره جاريد كوشنير في صوغ خطّة الرئيس الأميركيّ، وطلب بلير مشاركة الرئيس الأسبق لأركان الجيش الجنرال جوناثان باول، الذي يُعتبر العقل المدبّر لمفاوضات إنهاء حرب الثلاثين سنة بين الكاثوليك والبروتستانت في أيرلندا الشماليّة.
هذا وأعلن رئيس الوزراء البريطاني الحاليّ كير ستارمر استعداد لندن للعب دورٍ في نزع سلاح “حماس”، فيما يشغل مستشاره للأمن القومي جوناثان باول موقعاً محوريّاً لأنّه أحد مهندسي التسويات التي ضمنت إلقاء “الجيش الجمهوريّ الأيرلنديّ” السلاح، وشارك مع بلير في مداولات تطبيق الخطّة.
يُعَدّ إبداء الرئيس جوزف عون الاستعداد للتفاوض مع إسرائيل تعبيراً عن مرونة تستدعي استبعاد الحرب
التّسويات الدّاخليّة بموازاة التّفاوض مع إسرائيل
مع الاعتراضات العربيّة على دورٍ لتوني بلير في تطبيق خطّة ترامب، لا يحتاج الأمر إلى كثير عناء لملاحظة الفروقات بين تجربة أيرلندا من جهة، وحالتَي غزّة ولبنان من جهة أخرى.
احتاجت التجربة الأيرلنديّة إلى تسوياتٍ متدرّجة: تثبيت وقف النار، معالجة الخروقات، تجزئة تسليم أنواع الأسلحة على مراحل، قابلت كلّ منها مكاسب سياسيّة كإشراك “الجيش الجمهوريّ الأيرلنديّ” في الحكومة والإدارة، واستيعاب المسلّحين في المؤسّسات العسكريّة والأمنيّة، أي أنّ ترتيبات سياسيّة داخليّة توافقيّة دعمت إنجاز الهدف.
أمّا في غزّة فما زالت هذه الترتيبات في مهدها، وتحتاج إلى جهد كبير من “حماس” و”فتح” وسائر الفصائل لترسو على معادلة واضحة.
يتصاعد في لبنان الانقسام الطائفيّ بين الشيعة والمسيحيّين وجزء كبير من الطوائف الأخرى. فأكثريّة الشيعة تعتبر أنّ نزع السلاح، في ظلّ استمرار إسرائيل بالقتل والتدمير والتهجير، ومع استعجال قيادات لبنانيّة لهذه الخطوة، يشكّل إمعاناً في إذلال هذا المكوّن وإضعاف دوره الداخليّ. وقد انعكس ذلك على الموقف من قانون الانتخابات، وهو ما يهدّد إجراءها في أيّار 2026، وبات الأمر يحتاج إلى تسوياتٍ داخليّةٍ غائبة بموازاة التفاوض مع إسرائيل، وهو ما يتطلّب، كما قال توم بارّاك، أن “ينهي اللبنانيّون انقساماتهم”.
يُعَدّ إبداء الرئيس جوزف عون الاستعداد للتفاوض مع إسرائيل تعبيراً عن مرونة تستدعي استبعاد الحرب. ومع اختلاف حالتَي لبنان وغزّة، يكمن التشابه بينهما في حاجتهما إلى توافقٍ سياسيّ داخليّ من جهة، وإلى مساعدةٍ خارجيّةٍ من جهةٍ أخرى لتفكيك البنية العسكريّة لمصلحة الشرعيّة السياسيّة والدستوريّة.




