سلايدات

مخرجُ سلام: صندوقان انتخابيّان في الخارج

كتب نقولا ناصيف في اساس ميديا:

تحرّكان في وجهتين متعاكستين يديران الداخل اللبنانيّ: خارجيّ يضغط لاستعجال تجريد “الحزب” من سلاحه، ومحلّيّ يتسابق على انتخابات أيّار 2026 بتوسيع نطاق الانقسام على قانون الانتخاب. في الوجهة الأولى لا تملك السلطات الرسميّة سوى الاستمهال والتريّث، وفي الثانية تورّطت في الاشتباك. كلتا الوجهتين المتعاكستين تنتظران صدمةً ما تحسم، قبل الوصول إلى نهاية السنة، المأزقَيْن معاً. 

 

مع أنّ الوقت لا يزال مبكراً للغاية على مباشرة ضغوط خارجيّة لإجراء انتخابات أيّار 2026 أيّاً يكن قانونها، وثمّة استحقاقاً متقدّماً عليها يقتضي إنجازه قبلها، وهو إنهاء الترسانة العسكريّة لـ”الحزب”، قلّما يشعر المسؤولون اللبنانيّون باهتمام متزايد بالانتخابات المقبلة من قبل السفراء الذين يكتفون بمراقبة السجال الداخليّ في قانون الانتخاب. إذ لمّا تزل أولويّتهم سلاح “الحزب” والاطّلاع، بتقدير، على تقارير الجيش عمّا يفعله في جنوب نهر الليطاني.

أسباب الاشتباك الدّاخليّ

في المقابل ترتفع وتيرة الاشتباك الداخليّ من أجل قانون الانتخاب كما لو أنّ الذهاب إلى صناديق الاقتراع غداً. لوتيرة التصعيد هذا أسباب شتّى لها ما يبرّرها لدى الأطراف المتنازعين:

1- ليس إصرار “الحزب” على تعافيه وتأكيده أنّه استعاد ولا يزال بناه العسكريّة وتسلّحه وسيطرته على القيادة وجهوزه لمقاتلة إسرائيل، دعوةً إلى الحرب مجدّداً بمقدار ما هو لجذب بيئته إلى انتخابات أيّار 2026 وإيجاد أكثر من رابط موجب بين ذاك التعافي المعلن وخوضه الاستحقاق المقبل، بمنأى عن عجزه الواضح عن استرجاع دور المقاومة الذي فقده نهائيّاً، أو عن إطلاق رصاصة، وإن رمزيّاً، على إسرائيل.

معركة “الحزب” الفعليّة في الانتخابات المقبلة الإبقاء على المقاعد الـ27 التي يسيطر عليها الثنائي الشيعيّ في طائفته. ما خسره في الحرب، وهو آلته العسكريّة، يتطلّب أن لا يخسر نتائجه السياسيّة المستقرّة في العقدين الأخيرين، وهو حصر تمثيل طائفته به.

كما معارضوه، رئيس المجلس لم يكن يريد انعقاد الجلسة لتكريس نفاذ القانون الحالي

نجح في حكومة الرئيس نوّاف سلام في إسقاط وهم الوزير الشيعيّ الخامس المستقلّ، غير المنفصم ليس عن طائفته فحسب، بل عن الثنائي الشيعيّ بالذات. نجح أيضاً مرّة بعد أخرى في فرض الحذر على رئيسَيْ الجمهوريّة والحكومة وتحوّطهما من مناقشة ما لا يوافق الثنائيّ عليه. وهو ما رافق جلسة مجلس الوزراء الأربعاء.

فقد الغالبيّة في البرلمان دونما أن يفقد مقدرته على منع الفريق الآخر من الحصول عليها. بكتلة نوّابه الـ27، المُعوَّل على انتخابات أيّار كسر شوكتها، كرّس عُرف التعطيل.

تطيير النّصاب من الجانبين

2- لم تُرفع الجلسة الأخيرة لمجلس النوّاب الثلاثاء لفقدان النصاب فحسب، بل لأنّ كلا طرفَيْها لا يريدان انعقادها يومذاك. أفقد حضور 63 نائباً في القاعة نصابها في الظاهر وبيّن قوّة الفريق المناوىء للرئيس نبيه برّي للمرّة الثالثة وقدرته على الحؤول دون التئامها. ذاك جزء من الحقيقة.

الحزب

الجزء الآخر أنّ نوّاباً في الثنائي الشيعيّ أو في فلكه أو من حلفائه، كالنوّاب طوني فرنجيّة والأرمن وميشال موسى، لم يحضروا الجلسة إمّا لضرورات السفر أو لأسباب شخصيّة، كان في وسعهم إكمال النصاب لو أُريد بالفعل للجلسة أن تنعقد.

هذا ولم ترغب كتلة “القوّات اللبنانيّة” وحلفاؤها في التئام جلسة لا تناقش تعديل قانون الانتخاب، ولم يكن برّي بدوره يرغب في جلسة يُحرَج بدعوته إلى إدراج ما لا يزال يمتنع عن إدراجه فيها، وهو اقتراح النوّاب الـ67 تعديل قانون الانتخاب وإلغاء انتخاب النوّاب الستّة القارّيّين.

انتهى تطيير النصاب إلى ما أراده النوّاب المعارضون لرئيس المجلس، لكنّه انتهى أيضاً إلى ما كان يريده هو بدوره: منع انعقاد البرلمان من الآن فصاعداً يجعل قانون الانتخاب الحاليّ هو النافذ للذهاب إلى انتخابات أيّار المقبل، وتالياً الاقتراع للنوّاب الستّة.

ثالث أجزاء الحقيقة وأقواها تأثيراً وواقعيّة أنّ أحداً من الفريقين المتناحرين، الثنائي الشيعيّ وحلفائه ومناوئيه وحلفائهم، لا يملك أكثريّة النصف زائداً واحداً المتأرجحة تبعاً لموازين القوى الداخليّة والملفّات المثارة.

 ما خسرته آلته العسكرية في الحرب لا يريد الحزب خسارته في مقاعد البرلمان

لمجلس ينتخب الرّئيس

3- لا مناصّ من الاعتقاد بما يخفيه، ليس الصراع العلنيّ على قانون الانتخاب، بل المسعى الضمنيّ الذي لا يضير أحداً من الأفرقاء جميعاً، وهو بلوغ الانقسام ذروة تنتهي إلى تبرير تمديد الولاية الحاليّة للبرلمان سنة على الأقلّ.

في حسبانهم جميعاً أنّ انتخابات أيّار ستقود إلى برلمان تنتهي ولايته عام 2030، سنة واحدة قبل نهاية ولاية الرئيس جوزف عون، فيما التمديد لسنة على الأقلّ يجيء ببرلمان سيُعنى بانتخاب الرئيس المقبل عام 2031.

لهذا الجانب حساب رئيس عند الذين يريدون الاحتفاظ بقوّة التمثيل لديهم حاليّاً دونما مجازفة بما قد يخسرونه في أيّار المقبل، وحساب رئيس عند آخرين يتوقّعون تطوّرات تقودهم إلى قيادة الاستحقاق الرئاسيّ التالي.

4- تتحدّث بعض المعلومات عن مخرج يكون بمنزلة حلّ وسط يعدّ له رئيس الحكومة وينتظر الوقت المناسب لإنضاج إطلاقه إلى العلن وإحالته إلى مجلس النوّاب في مشروع قانون في ضوء مسار السجال الدائر من جهة، وما قد تنتهي إليه أعمال اللجنة الوزاريّة المكلّفة من مجلس الوزراء في جلسة الأربعاء صوغ تعديلات مقترحة على قانون الانتخاب من جهة أخرى.

مؤدّى اقتراح سلام إنشاء صندوقَيْ اقتراع في بلدان الانتشار أحدهما للتصويت القارّيّ (ستّة نوّاب)، والآخر للّوائح الوطنيّة (128 نائباً)، على أن تُبتّ أصوات الصندوق الأكثر استجلاباً للاقتراع فيُحتسب ويُصفَّر الآخر. يُتوئم الاقتراح بين ما لا يتزحزح عنه رئيس المجلس وحلفاؤه وهو انتخاب النوّاب الستّة، وبين ما لا يتزحزح عنه الفريق المناوىء له وهو اقتراع الانتشار لـ128 نائباً.

هكذا يُترك، دونما تغليب رأي فريق على آخر، وقد اتّخذ الانقسام طابعاً طائفيّاً على جاري العادة في كلّ اختلاف، لناخبي الانتشار حرّيّة التصويت لمرشّحيهم تبعاً لتصويتَين مختلفَين يصبّان في هدف واحد، وهو الشعار المعلن لدى الأفرقاء جميعاً وفق مقاربات متناقضة تنطوي على أوهام عالية، المتمثّل في مشاركة الاغتراب في القرار الوطنيّ.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى