سلايداتمقالات

رسائل طهران في كتاب “الحزب” إلى لبنان

كتب محمد قواص في اساس ميديا:

لا شيء جديداً في كتاب “الحزب”. تكاد الدقّة تدفعنا للاستنتاج أنّ “الحزب” من الضعف والتصدّع والحيرة والضياع بحيث يعجز أن يجترح جديداً. لولا التعليمات الواردة من طهران، وفق توقيت إيران دائماً، والتي ينفّذها “حزب” لبنان (كما “حزب” العراق وفق وقائع الأيّام الأخيرة)، لكانت ظهرت أُمّيّة “الحزب” في قراءة أبجديّات تحوّلات دوليّة وإقليميّة ولبنانيّة لم يعد عصيّاً فكّ شيفرتها على المبتدئين في علم السياسة ومحلّليها. حتّى إنّ المفارقة أنّ طهران تستجدي التفاوض مع “الشيطان الأكبر”، فيما توعز لحزبها في لبنان بمنع بيروت من التفاوض مع “الشيطان الأصغر”.

لبنان صندوق بريد إيران

يستنتج الرؤساء الثلاثة كما الرأي العامّ (في لبنان والمنطقة ولدى العواصم الكبرى المعنيّة)، أنّ إيران تستخدم لبنان، لمناسبة أو بدونها، صندوق بريد لبعث رسائلها. حتّى طهران نفسها تكرّر خطابها وتكتيكاتها التي لا تقوى على الارتقاء إلى استراتيجية تليق بدولة يفترض أنّها مهمّة في التاريخ والجغرافيا. وفيما منابر طهران تروّج استعداداً للحرب من جديد وتلوّح بالقطيعة مع المؤسّسات الأمميّة المختصّة، تسوّق ذراعها التابعة في لبنان (كما في العراق أخيراً) البضاعة نفسها الموضّبة علباً من سلاح وشيعة ومقاومة وكرامة. تحاول طهران الإيحاء لمن يهمّه الأمر (للقاهرة أيضاً وموفدها إلى بيروت) أنّها كانت داخل معادلات لبنان وما تزال شرطاً لأيّ معادلات تحت الإعداد.

ليس مهمّاً استطلاع أسباب توقيت الكتاب المفتوح الذي وجّهه “الحزب” إلى الرئاسات الثلاث قبل أيّام، ولا تحليل شكل ذلك الكتاب ومضمونه

أمَا أنّ الحدث ليس حدثاً يردع هجمات إسرائيليّة يوميّة باتت روتينيّة تغذّي شلل “الحزب” وجماده، فإنّه حريّ لفت المراقب إلى أنّ ما تفتّقت به مخيّلة “الحزب” وذائقته هو تمرين روتينيّ وإن يطمح إلى بلوغ مستوى إعطاء المحاضرات في “خطايا” تُرتكب وإيقاعات “تسرَّعٍ” تذهب إليها حكومة لا تدرك الصواب وتخلط بين الغثّ والسمين.

أمَا وقد أعطى الرؤساء كتاب “الحزب” حقّ قدره فاعتبروه جلبة ساعة، فإنّ ما يفترض أن يكون الحدث الدائم هو تمسّك الدولة ببوصلتها، والحكومة بقراراتها، وجيش البلاد وأجهزتها الأمنيّة بمهامّها، للتأكّد أنّ القول يبقى قولاً تُحمى حرّيته، وللعمل على ردع تحوّل أيّ أبجديّة إلى سلوك مُهدِّد، حتّى إيحاءً، لسلم الناس واستقرار البلاد ومتانة نسيج هيكل الدولة ونظامها السياسيّ الحاكم.

قرار الحرب والسلم بيد الدولة وحدها، وفق بديهيّات وجود أيّ دولة في العالم، لكن أيضاً، وفق ثوابت أظهرها خطاب القسم لرئيس يقود البلاد لستّ سنوات ووعَدَ بها بيان وزارة لم تنل ثقة مجلس النوّاب إلّا على أساسه. يؤكّد الرئيسان، جوزف عون ونوّاف سلام، تلك الحتميّة، حتّى لو اختلفت أساليب التعبير ومواقيته وأشكاله، وفاء أمام لبنان والعالم بأنّ عودة الدولة وسقوط الميليشيا هو قدر لا خيار. فإذا لم يحِن قيام الدولة في زمن ضعف الميليشيا وضياعها فمتى تقوم؟

لئن يجود “الحزب” بغير ذلك، فإنّ له أن يستمرّ في إصدار الكتب، ولقادة البلد أن يخرجوا لبنان من معادلات سقطت، وإن تسلّل كتاب “الحزب” الأخير لتمرير شراكة مزعومة له مع الجيش اللبنانيّ، وطرح نفسه “كياناً” مؤسّساً لدولة لبنان، مصادِراً، بجلافة، تاريخ الشيعة وجبل عامل في ولادة هذا البلد.

تحاول طهران الإيحاء لمن يهمّه الأمر أنّها كانت داخل معادلات لبنان وما تزال شرطاً لأيّ معادلات تحت الإعداد

استدراج السّجال

أراد “الحزب” في تمرين، بدا مضنياً في أبجديّته وفصاحته، استدراج لبنان إلى نزال وسجال ليعيد جعل نفسه محور مسار البلد ومصيره. يشعر “الحزب” بثقل مُصابه، وتحلّل نفوذه، واندثار سلطته داخل غرف صناعة القرار في البلد. خسر معادلة الردع التي صدّع بها رؤوسنا خلال عقود ضدّ القوّة الإسرائيليّة المعادية، وهو يعوّل من دون خجل على التلويح والتلميح اليائس باستمرار امتلاكه لقوّة ردع ضدّ لبنان واللبنانيّين.

فيما يستنتج المبعوثون الأجانب، لا سيما الأميركيّين منهم، حِرص لبنان الرسميّ على تجنّب الاحتراب الأهليّ، ما برح “الحزب” يُنتج ما يستفزّ البلد ويستدعي ذلك الاحتراب، سواء في واقعة الروشة التي لا تفسير لها إلّا ذلك، أو بما يبثّه ناشطوه من سوقيّة تتوسّل صدام الشوارع.

كتاب “الحزب” إلى الرؤساء الثلاثة هو عمليّاً كتاب إلى النظام السياسيّ اللبنانيّ برمّته. أمّا جدليّة النهل من “قواميس لاءات” باتت متقادمة، على الأقلّ منذ دعم “الحزب”، ومن ورائه إيران، لاتّفاق غزّة الأخير، فيصعب تسويقها حجّة في وجه الخصوم. يتعثّر فهم أن تكون حجّة تلتفّ حولها “بيئة” باتت يوميّاتها تدور حول مفردات النزوح والبقاء والدمار والحلم بإعادة الإعمار. 

فيما يُدرَجُ أيّ موقف لـ”الحزب”، كما بقيّة الطبقة السياسيّة، داخل حسابات الانتخابات المقبلة وعُدّة الحشد لها، فإنّ في كتابه ما يشبه إطلاق “حزب الله” العراقي، لمناسبة الانتخابات، أنّ “للشيعة الوصاية الكاملة على العراق”. لم يقُل كتاب “الحزب” عن لبنان ذلك، لكنّه كاد يقول.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى